إغلاق sites icon close
Search form

البحث عن موقع البلد

نبذة عن البلد

موقع البلد على الإنترنت

سؤال وجواب: الغوطة الشرقية "على حافة كارثة كبرى"

قصص

سؤال وجواب: الغوطة الشرقية "على حافة كارثة كبرى"

دخل ممثل المفوضية في سوريا، سجاد مالك، المنطقة المحاصرة برفقة قافلة مساعدات إنسانية ويصف لنا الأوضاع التي شاهدها.
9 مارس 2018 متوفر أيضاً باللغات:
5aa277373.jpg
دخلت قافلة تابعة لجمعية الهلال الأحمر منطقة الغوطة الشرقية المحاصرة في 5 مارس، جالبة معها مواد إغاثية لما يقرب من 400.000 مدني محاصر هناك.

أنت ممثل المفوضية في سوريا وتتواجد هناك من عامين ونصف، كما أنك قضيت بعض الوقت في الغوطة الشرقية مؤخراً. ما الذي رأيته أثناء تجوالك في شوارع الغوطة الشرقية.

إنها على حافة أن تتحول إلى كارثةً كبرى. عندما تمشين في تلك البلدة فإنك سوف ترين الدمار والنزوح. مازالت هناك جثث داخل المباني المدمرة. الرائحة قوية للغاية في تلك المناطق. هناك أشخاصٌ يعيشون في أقبيةٍ شديدة الازدحام... ورأيت الناس يخرجون من تلك الأقبية أثناء تواجدنا هناك. من الصعب وصفهم. ترينهم شاحبين والطفح الجلدي ظاهر على بشرتهم فيما الوهن باد عليهم.

رأيت أطفالاً أخبروني بأن أعمارهم تبلغ 12 و 13 و 14 لكنهم يبدون وكأنهم 6 أو 7 أو 8 سنوات من العمر. كانت أجسامهم صغيرة جداً جداً. وهناك الصدمات التي يمرون بها بفعل القصف المستمر والعيش في خوف دائم دون أن يعرفوا ما الذي سيحل بهم.

في أماكن أخرى محاصرة ولا يوجد فيها طعام، بإمكاك إحضار بعض المساعدات. ولكن هنا لم نكن متأكدين مما يجب أن نأتي به لهؤلاء الناس. أحضرنا بعض المواد الغذائية لكنها لم تكن كافية.

بالطبع فإنهم بحاجةٍ ماسة للطعام والمساعدات والإمدادات الطبية، لكن أكثر ما هم بحاجة إليه هو توقف القصف والقنابل والعيش بأمان.

يعيشون في حالة من الرعب... أخبروني بأنهم يخشون القصف الذي يعيشون تحت وطأته باستمرار، ويخشون الجوع وهم يرون معاناة أطفالهم، لكن ما يخيفهم أكثر هو ما يخبئه لهم المستقبل فهم ليسوا متأكدين مما سوف يحدث.

أخبرك البعض بأنهم يريدون الخروج من المنطقة، لكنهم يشعرون بأنه يجب أن تتوفر لهم ثلاثة عوامل. ما هي هذه العوامل الثلاثة؟

أولاً السلامة، بحيث يمكنهم الخروج بأمان، ابتداءً من نقاط التفتيش. ثانياً، عندما يصلون إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، أن يكونوا آمنين وألا يواجهوا وضعاً آخر. قالوا لي: "نحن نهرب للنجاة بحياتنا من هنا وآخر شيء نرغب فيه هو أن نجد الموت بانتظارنا على الجانب الآخر". لذا، فهم يريدون مغادرة المكان بأمان.. أن يصلوا إلى مناطق يكونون فيها بأمان، وأخيراً فإنهم يودون العودة إلى بيوتهم عندما يتحسن الوضع.

إنهم يواجهون أعمالاً عسكرية عنيفة تجري الآن. وهناك أيضاً جماعات مسلحة في الداخل وهم يقاومون ويقاتلون، وهناك جماعات تتقاتل فيما بينها. لذا، فإن المدنيين العالقين في هذا الوضع ليس لديهم مكان يذهبون إليه.

لا بد أنهم مذعورون

لم أر من قبل في حياتي وجوهاً خائفة كالتي رأيتها هناك. عليك إيجاد الكلمات لوصف ما يعني ذلك، ما نوع ذلك الخوف. يمكنك رؤيته في عيونهم وفي طريقة كلامهم. لكنهم أيضاً يائسون وينتظرون من يأتي لمساعدتهم.

تجولت في البلدة ورأيت دماراً هائلاً، وبجوار أحد المباني التي توقفت عندها طرحت سؤالاً على رجلٍ يقف هناك، ما هو السؤال؟

كنت أتجول برفقة طبيب بالقرب من عيادةٍ للهلال الأحمر العربي السوري، واقترح علي الطبيب ألا نقترب أكثر... فقلت له هناك رائحة قوية، فأجابني بأنه لا يزال هنالك جثث تحت الركام... توقفت هناك قليلاً ونظرت إلى المبنى... وهو من خمسة أدوار ومنهار كلياً. وسألت: "ما عدد الأشخاص الموجودين تحت الأنقاض هناك؟" فأجابني أحدهم "هناك ثلاث جثث في الداخل". ثم سمعت رجلاً يقول "ليسوا ثلاثاً بل أربعاً". نظرت باتجاهه فأخبرني بان الجثث تعود لزوجته وابنته وصهره وأخيه وبأنهم مدفونون في الداخل... ثم أخبرني عن كل ما عاناه ليشيد هذا المبنى الذي رأه ينهار كلياً أمام عينيه. كان هناك لكنه نجا بحياته والآن هو بانتظار انتشال الجثث. ورغم ذلك فإنه قال "الحمد لله"... وهو ما يقولونه للحفاظ على إيمانهم وثباتهم... وقد شعرت باحترامٍ كبير لما قاله. كل عائلةٍ لديها قصة، وكل والدة لديها قصة تخبرنا بها... إنه أمر مؤلم.

وغالبية المتواجدين هناك من النساء والأطفال

من المدهش رؤية ذلك لكن الغالبية هناك هم من النساء والأطفال.. في الحي الذي تجولت فيه. وقد أخبرني مجلس البلدة بأن غالبية العائلات هناك أصبحت ترأسها النساء، من جداتٍ وأمهاتٍ وأخواتٍ بصرف النظر عن العمر، وهن اللواتي يتولين إدارة هذا الظرف العصيب. لا يمكنني أن أتخيل حتى كيف يكون بمقدورهن القيام بذلك، لكنهن يعتنين بعائلاتهن الآن.

لقد شاركت في القافلة الإنسانية التي تمكنت من إيصال جزءٍ من المساعدات التي كانت في الشاحنات... لكنك كنت محبطاً لأنكم لم تتمكنوا من تفريغ كل المواد الغذائية والإمدادات.

المحبط في الأمر ليس لأننا لم نتمكن من إيصالها... ما أشعرني بالإحباط هو أننا جلبنا المواد الغذائية بعد الكثير من العمل والتخطيط وما نسميه بتهدئة النزاع أي التواصل مع جميع أطرافه لإيقاف القصف. وعندما وصلت الشاحنات التي يعلم الناس هناك بأنها تحمل بعض الطعام، لم نتمكن من تفريغها لأن القصف كان مستمراً والقذائف سقطت على بعد 600 مترٍ من مكان تواجدنا... وهذا ما أشعرنا بالإحباط: لأننا دخلنا نتيجة هذه الجهود وكان هناك من يحتاجون للغذاء ورأيناهم هناك لكننا لم نتمكن من تسليم المساعدات. إلا أننا عقدنا العزم على العودة... وسوف نعود إلى المنطقة، ويجري التخطيط لعودتنا الآن... وخلال اليومين القادمين نأمل بأن نعود مع المزيد من المساعدات... لكن إرادة المنظمات الإنسانية ليست العامل الوحيد في إيصال المساعدات، فنحن بحاجةٍ إلى إيقاف القصف... جميع الأطراف المعنية... القوى المتواجدة في الغوطة عليها أن تعطينا ضمانات أمنية للدخول، والقوى الموجودة خارج المنطقة عليها أن تضمن لنا إرساء الهدنة أثناء تواجدنا هناك... لكننا مصممون على العودة.

* في 9 مارس، دخلت قافلة إنسانية ثانية إلى الغوطة الشرقية لاستكمال تسليم المساعدات المتبقية من تاريخ 5 مارس.