إغلاق sites icon close
Search form

البحث عن موقع البلد

نبذة عن البلد

موقع البلد على الإنترنت

لاجئون سوريون يحصدون النجاح بفضل مهاراتهم في الطهي

قصص

لاجئون سوريون يحصدون النجاح بفضل مهاراتهم في الطهي

شهية الأوروبيين على الأطعمة الشرق أوسطية تفتح آفاقاً جديدة للاجئين ورواد الأعمال.
25 أبريل 2018 متوفر أيضاً باللغات:
5adee26e3.jpg
افتتحت رائدة الأعمال السورية يارا الأديب، أول مطبخ لشركة تأمين خدمات المطاعم والتموين الخاصة بها في أنتويرب، بلجيكا. تعمل معها موظفات من اللاجئات التقت بهن في الشوارع وفي محطة الترام والأسواق.

تومئ رائدة الأعمال السورية يارا الأديب، بحماسة وهي تصدر التعليمات إلى فريقها. على الجانب الآخر من منضدة معدنية مشعة، تعدّ أربع نساء سوريات أكواماً من الفطاير المثلثة المحشوة بالسبانخ والصنوبر. 

عليهن إنهاء العمل في الموعد المحدد. تستعد هي وفريقها، وجميعهن لاجئات من سوريا، لافتتاح أول موقع دائم لهن: مطبخ ومطعم للوجبات الجاهزة في إحدى ضواحي مدينة أنتويرب البلجيكية. 

يعتبر هذا الحدث الأجمل بالنسبة ليارا البالغة من العمر 29 عاماً. في العام الماضي، ازدهرت أعمالها، حيث تحول الكشك الذي افتتحه باسم "من سوريا مع الحب" لبيع الطعام في الشارع إلى مؤسسة قادرة على تقديم الطعام لحوالي 800 شخص في آن واحد. 

في صيف 2015، كانت يارا، اللاجئة المولودة في سوريا، والتي نشأت في الكويت، تتساءل عن أفضل طريقة لمساعدة الكثير من الوافدين حديثاً إلى بلجيكا، فخطرت ببالها فكرة العمل في مجال تموين المطاعم. ومن تجربتها الخاصة، علمت بأن العمل سيكون عنصراً حيوياً في الاندماج الاقتصادي والاجتماعي لهؤلاء. 

"يجعلك العمل تشعر بأنك تساهم بطريقة ما ويمنحك هدفاً في الحياة" 

وقالت يارا، التي ساعدتها مؤهلاتها الأكاديمية في الحصول على وظيفة استشارية بعد فترة قصيرة من حصولها على حق اللجوء في بلجيكا في عام 2014: "يجعلك العمل تشعر بأنك مفيد وبأنك تساهم بطريقة ما ويمنحك هدفاً في الحياة ويشعرك بأنك بخير، وأنك لست مجرد عبء بل بأنك قادر على رد الجميل بطريقة ما". 

أطلقت المفوضية ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية اليوم (24 أبريل) خطة عمل لتوسيع فرص التوظيف للاجئين. ولا تحدد الوثيقة فقط التحديات والفرص وأفضل الممارسات في إدماج اللاجئين في سوق العمل فحسب، بل إنها تقدم أيضاً قائمة من الإجراءات الملموسة لدعم التوظيف الناجح للاجئين.

قررت يارا تركيز جهودها على ربات البيوت اللواتي يجدن صعوبة في التكيف اجتماعياً والعثور على عمل. كانت متأكدة من أن الأساس هو مهاراتهن في الطهي التي يعتبرها معظم السوريين أمراً مفروغاً منه، والتي يمكن الاستفادة منها في مجال تموين المطاعم.

بدأت يارا في بناء فريقها من خلال التواصل مع النساء السوريات اللواتي التقت بهن في الشارع وفي محطة الترام أو في الأسواق. وبعد تجربة ناجحة، بدأت الطلبات تتوالى: حفلات زفاف وأعياد الميلاد ورأس السنة، واحتفالات خاصة بشركات كبرى. وقد شكل مدى النجاح غير المتوقع للشركة الجديدة مفاجأة لأعضاء الفريق وغيّر حياتهم.

وقالت رئيسة الطهاة التي تعمل لدى يارا، صباح فاضل، البالغة من العمر 47 عاماً، والتي غادرت سوريا مع زوجها وطفليها الصغيرين عندما دمرت الحرب منزلهم في حلب في عام 2015: "كنت حزينة قبل أن أحصل على هذا العمل. من الصعب أن تترك بلدك وذكرياتك وكل شيء ولكنني الآن أقوم بأمر أحبه وأتقنه. في سوريا، كان صنع هذا الطعام لعائلتي مجرد مهمة يومية، أما هنا، فعندما أسمع الناس يشكرونني على الطعام اللذيذ، أشعر بالفرح".

"لسنا عبءاً، هذا ما أريد التأكيد عليه فعلاً"

تقول يارا بأنَّ المشروع، الذي استقطب العديد من المؤيدين، قد لامس قلوب البلجيكيين الحريصين على الترحيب بالقادمين الجدد ولكنهم لا يجدون طريقة لتقديم المساعدة. وفي الوقت نفسه، فهو يحمل رسالة قوية مفادها أنَّ اللاجئين يستطيعون مساعدة بعضهم البعض والمساهمة في مجتمعاتهم المستضيفة.

وقالت يارا: "أعلم أنني لن أقنع المشككين عن طريق الطبخ فقط. أريد أن أريهم أننا نساهم، وأننا نرد الجميل، مثلهم تماماً. نحن لسنا عبءاً، هذا ما أريد التأكيد عليه فعلاً". 

في هذه الأثناء، في العاصمة البرتغالية، لشبونة، يعمل مشروع آخر لتموين المطاعم بإدارة سورية على خلق فرص عمل، مما يسرع من عملية الإدماج ويساعد القادمين الجدد والسكان على التعرف على بعضهم البعض.

في مساء يوم الأحد هذا، تجد الطاولات محجوزة بالكامل في "مزة"، وهو أول مطعم سوري في المدينة. وهذا ليس أمراً خارجاً عن المألوف. ففي معظم الليالي، يصطف الزبائن في طوابير للحصول على طاولة وتناول أشهى الأطباق الشرق أوسطية المنزلية. ولكن الليلة، لم يأتِ الناس لتناول الطعام فقط، ولكن للاستماع.

وتجيب الشريكة المؤسِسة، البرتغالية فرانسيسكا غورجاو هنريكز، والطالبة السورية آلاء الحريري على أسئلة السكان التي يطرحونها على طاقم العمل السوري حول الحياة في وطنهم. كان الحديث في غاية الصراحة واشتمل على اسئلة مثل: هل يجب أن تعمل النساء؟ هل الزواج بين الأديان مقبول؟ ماذا عن المواعدة؟

وقالت فرانسيسكا، وهي صحفية سابقة: "لا يشعر الناس دائماً بالراحة لطرح الأسئلة عليهم في مطعم مزدحم. تعد هذه المناقشات الشهرية وسيلةً للموظفين والسكان المحليين للتحدث والتعرف على بعضهم البعض". 

"كان هدفنا خلق فرص عمل"

لطالما كان هدف مطعم مزة جمع الناس حول الطعام وكسر الحواجز. ويوظف المطعم الذي افتتح في سبتمبر الماضي 13 لاجئاً سورياً، من بينهم سبع ربات بيوت أصبحن طاهيات، وكنّ سيجدن صعوبة في العثور على عمل لولا هذه الوظيفة نظراً لعدم تمتعهن بالمؤهلات أو الخبرة.  

خطرت فكرة افتتاح المطعم على فرانسيسكا وزميلتيها اللتين شاركتا في التأسيس، ريتا ميلو ونونو ميسكيتا، بينما كنَّ يتحدثن مع آلاء، وهي طالبة من دمشق، في احتفال كنّ يحضرنه. وتطرقن في حديثهن إلى مئات اللاجئين الذين انتقلوا إلى البرتغال من أماكن أُخرى في أوروبا. 

وقالت آلاء البالغة من العمر 25 عاماً والتي أتت إلى البلاد بتأشيرة طالب في عام 2014: "من الصعب العثور على عمل في البرتغال، لذا كان هدفنا خلق فرص عمل". 

توافقت آلاء والأخريات في الرأي بأن الوظائف ضرورية للاندماج الناجح، وأن النساء، وخاصةً اللواتي لم يعملن سابقاً، سيجدن صعوبة في العثور عليها. ووجدن أنَّ افتتاح مطعم من شأنه أن يمنح النساء السوريات فرصة لتوظيف مهاراتهن ودخول بيئة سوف تسمح لهن بالمشاركة في الفرص الاقتصادية التي تكشف لهن العالم الاجتماعي من حولهن. 

وقالت فرانسيسكا: "تتمتع النساء بخبرة الطهي الرائعة هذه في منازلهن، لكنّ أصحاب العمل لا يعترفون بذلك. نحن نقول لا، لديهن مهارات ويجب علينا أن نقدّرها". 

تم تكليف آلاء بالبحث في المساجد والمنتديات على شبكة الإنترنت عن طهاة موهوبين بين الوافدين الجدد إلى البرتغال. وقد تشكّل الفريق بعد نجاح المشروع في الحصول على استجابةً هائلة من وسائل الإعلام المحلية وتمكنه من جمع 130,000 يورو كرأس مال مبتدئ. 

"بالنسبة لهم، لا يتوقف الأمر على العمل فحسب، بل يتعلق بالمشاركة"

بعد سبعة أشهر على افتتاحه، لا يزال المطعم يعج كل ليلة بسكان محليين متحمسين لتذوق الطعام السوري للمرة الأولى. ولكنَّ المشروع حقق الفارق الأكبر في حياة الموظفين الذين أصبح الكثيرون منهم الآن يعتمدون على أنفسهم ويستطيعون كسب لقمة عيشهم من عملهم الخاص. 

قالت فاطمة، وهي ربة منزل سابقة من دمشق عمرها 49 عاماً وتعمل في المطعم مع ثلاثة من أبنائها البالغين: "بدأنا نشعر باستقلالية أكبر. لا نحتاج إلى مساعدة أو دعم من الحكومة، ونحن مسؤولون عن أنفسنا". 

ومع ذلك، فإن الوظيفة في مزة هي أكثر من مجرد دخل شهري. فإلى جانب المؤهلات المكتسبة في مجال السلامة الغذائية، يتلقى الموظفون التوجيه من طهاة محترفين ودروساً في اللغة مرتين في الأسبوع من متطوعين. ويخطط الفريق لتطوير أعماله من خلال خدمة تعهدات الطعام وافتتاح مطعم ثانٍ، وهما مشروعان سيوفران العمل للمزيد من الوافدين الجدد ويكونان فرصة للتعريف على الوطن. 

وقالت آلاء: "في مزة، يستطيع الموظفون الاندماج بطريقتهم الخاصة، عن طريق إحضار شيء ما من ثقافتهم. بالنسبة لهم، لا يتوقف الأمر على العمل فحسب، بل على المشاركة".