المشاريع الإنسانية الشعبية: كيف تطلقها

بقلم توم كريتشلي، مدير المشروع، راديو الزعتري

هل أردت يوماً أن تطلق مشروعاً إنسانياً من الصفر ولكنك لم تعرف كيف تبدأ؟ قد يكون اكتساب الخبرة في المجال الإنساني مهمة صعبة وبشكل خاص ضمن المنظمات غير الحكومية الكبرى حيث لا يكون هناك منافسة شديدة على فرص العمل فحسب بل إنها تتطلب بعض الخبرة السابقة أيضاً. بينما كنت أتابع دراستي الجامعية، بدت الرغبة بالمشاركة في العمل الإنساني لهذه الوكالات الهدف النهائي لدراستي الجامعية، ولكن على الرغم من حصولي على الإجازة وبعدها على دورة للدراسات العليا، إلا أن طموحي في العمل لدى منظمة غير حكومية لم يُترجم في الواقع. إذا بدا ذلك مألوفاً لك، فلا تقلق؛ ربما حان الوقت لتكون لك نظرة شعبية وتنشئ مشروعك الإنساني الخاص بك! قد يبدو إنشاء مشروعك الإنساني الخاص مهمة صعبة تنطوي على العديد من الأسئلة: على ماذا سيركز المشروع؟ أين سيتم إنشاؤه؟ كيف سنموله؟ كيف سنسيّر الأمور على الأرض؟

هذه هي الأسئلة التي خطرت في بالي بدايةً عندما قررت إنشاء مشروعي الإنساني الخاص: راديو الزعتري. أكتب هذه المدونة في الأسبوع الأول لإقامتي التي ستمتد على مدى شهرين في الأردن والتي سأبدأ فيها أنا وما أصبح الآن فريق راديو الزعتري بالعمل على إنشاء محطة إذاعية يديرها اللاجئون للمجتمع المتأثر بالحرب في الزعتري. كان الوصول إلى هنا صعباً على أقل تقدير ولكنني من خلال قيامي بذلك، أقدم الإرشاد من خلال تجربتي والدروس التي اكتسبتها للأشخاص الذين يفكرون في سلوك مسار مماثل وأوفر الإجابات عن الأسئلة الواردة أعلاه مما يجعل المهمة تبدو أقل إثارة للتوتر بقليل.

مشروع قائم على المجتمع يرتكز على مجتمع من الداعمين.

الابتكار في جمع التمويل: كيف تبني مجتمعاً حول مشروعك الشعبي

إذاً... أين نبدأ؟

لقد أنجزت الجزء الأصعب! فقبولك المغامرة وإصرارك على النجاح يطلبان منك ما يكفي من الشجاعة والإيمان بالذات لتخطي أي عقبات ستواجهها في التنفيذ. هل ستكون الأمور سهلة بعد ذلك إذاً؟ حسناً... قد تكون هذه التحديات غير قابلة للتوقع ولكن مع هذا الدليل، آمل أن تستعد لها قدر الإمكان.

أفضل ما قد تبدأ به هو تركيز جهودك على مجال معين يهمّك أو تتمتع بالخبرة فيه: المجال الإنساني معقد ويصعب خوضه. وإن بدأت باستهداف وضع حد للأزمة الإنسانية فمصيرك الفشل بالتأكيد حيث أن التركيز على مجال معين يهمّك أو تتمتع بالخبرة فيه لا يقلل من قيمة المشروع ولكنه يحسن توجيهك لمجموعة مهاراتك ويمهد الطريق لإنجاح المشروع بشكل أكبر. بالإضافة إلى ذلك، فكر في الوقت والجهد الذي ستخصصه للمشروع؛ فلا شك أن استمتاعك بالمشروع سيزيد من نجاح النتيجة كما أن مشروعاً لا يسترعي تركيزك المباشر قد يصبح متعباً ويفقد زخمه. إن لم تعرف عما أتحدث، فقد كان هذا المشروع هو الراديو بالنسبة لي. لا ينضوي مشروع راديو للاجئين في إطار "ابتكاري للإغاثة الإنسانية" فقط بل إنه يشكل وسيلة للتواصل عملت فيها منذ أن كنت أدرس في الجامعة. يعتمد المشروع نهجاً قائماً على الناس للاستجابة الإنسانية ويمكّن المجتمعات النازحة من تخطي التحديات التي تواجهها جراء عيشها كلاجئين في الزعتري عن طريق الراديو. بعد تقييم هذه التحديات بالارتكاز على تقارير تقييم الاحتياجات التي نشرتها المفوضية، وبمساعدة منظمة "العمل من أجل التغيير الدولية" سلطنا الضوء على ثلاثة تحديات يستطيع مشروعنا معالجتها: سد الثغرات في المعلومات من خلال الخدمات الموفرة للاجئين مثلاً، وبث حملات صحية حول المشاكل الصحية الخطيرة وتوفير منصة لإتاحة التواصل بين اللاجئين والمجتمع المستضيف.

لم يكن مشروعي الأول من نوعه ولكن في أسبوع قدمت فيه برنامجي الإذاعي الأول على إذاعتي المستقلة المفضلة وبعد أن قرأت عن محطة إذاعية يديرها اللاجئون في أوغندا، وُلد راديو الزعتري. بالإضافة إلى ذلك، فالتوقيت والمكان الذي انطلق فيه راديو الزعتري يقود إلى التوصية الرئيسية التالية لضمان النجاح في إنشاء مشروعك الإنساني الشعبي الخاص...

وسع مشروعك بكل ما للكلمة من معنى: شراكات زمالة وصداقة.

يُعتبر التواصل مع منظمات تعمل على الأرض أمراً أساسياً لضمان نجاح مشروعك بطرق عديدة. لقد حالفنا الحظ بعقد شراكة مع "العمل من أجل التغيير" ويمكننا القول بأن مشروعنا لم يكن ليبلغ هذا المستوى لولا هذا التعاون. يجب أن تفكر في المنظمة التي تخطط للاتصال بها: فموقعها يحدد عادةً المكان الذي ستنفذ فيه مشروعك. وفي العادة، تكون المؤسسات الصغيرة أكثر قبولاً للتعاون. عليك أن تعثر أيضاً على منظمة يكمل مجال تركيزها مجال تركيز مشروعك. و"العمل من أجل التغيير" هي منظمة يقع مقرها في الأردن توفر التعليم للاجئين في "قرية الزعتري" وقد تناسب هدفُها مع هدفنا، وهو توسيع مركزها ليصبح مركزاً مجتمعياً للمنطقة يهدف إلى إنشاء مشروع إذاعة قائمة على المجتمع وتقديم ورش عمل في هذا الإطار للاجئين الذين يلتحقون بمدرستها.

تقع "قرية الزعتري" على بعد 1 كلم عن مخيم الزعتري للاجئين وهي قرية صغيرة تضاعف عدد سكانها منذ بدء الحرب السورية نظراً لوصول اللاجئين إليها. ولكن القرية القريبة من المخيم تفتقر إلى البنى التحتية الإنسانية الأساسية نفسها. ولا يمكنني حقاً أن أقلل من شأن المساعدة التي وفرتها المنظمة من الناحية اللوجستية والعملية لمبادرتنا. فتكليف بلد أجنبي بإدارة المشروع يصبح أسهل بوجود مرجع دائم يجيب على أي أسئلة قد تكون لدينا في ما يخص تنفيذ المشروع والانتقال إلى الأردن. وقد تم توفير المساحة المادية لإدارة الراديو من خلال "العمل من أجل التغيير" التي قدمت لنا التوجيهات في ما يتعلق بالأمور التقنية والأمور الدقيقة المتعلقة ببث البرامج الإذاعية التي تستهدف اللاجئين.

إن وجود شخصين يفكران أفضل من وجود شخص واحد، ولحسن الحظ فقد ازداد عدد الأعضاء المتفرغين للمشروع إلى ثلاثة بعد أن تواصلت مع بعض الأصدقاء من أجل الحصول على النصائح بشأن المشروع. تشمل إدارة مشروع إنساني مهاماً مختلفة وكلما وفر الأشخاص العاملون فيه إلى جانب تقاسمهم عبء العمل، فرصاً للأشخاص بتسخير خبرتهم، يتم إعداد المشروع بدقة أكبر. حالفني الحظ بصديقين لي يتمتع أحدهما بالخبرة في القطاع الإنساني بينما يعمل الآخر كتقني موسيقى إذاعي، ولكن الأمور قد لا تكون كذلك دائماً! حاول التواصل مع أشخاص من خارج دائرة أصدقائك المقربين كالأشخاص الملتحقين بالجامعة نفسها التي تدرس فيها ومجموعات وسائل التواصل الاجتماعي في الحقل نفسه ومنظمات إنسانية مماثلة.

يجب أن يكون لجميع المشاريع الجيدة مجموعة كبيرة من المتابعين لكي تتقاسم معهم العمل الرائع الذي تقوم به وترفع من مستوى الوعي بشأن المسائل التي يتناولها مشروعك. إن الانخراط في ذلك هو طريق ذو اتجاهين ويؤدي إلى نمو مشروعك. فبالإضافة إلى مشاركة رسالة مشروعنا، تطوع متابعونا لتنظيم حملات لجمع التمويل وتبرعوا بمقطوعات موسيقية لسلسلة الملفات الصوتية الخاصة بنا، ودعونا إلى برامجهم الإذاعية. قد تبدو المتابعة نتيجة طبيعية لعملك ولكن في الواقع، يرتكز كل مشروع على حملة تسويق مستهدفة على وسائل التواصل الاجتماعي. سيكون أصدقاؤك المقربون وأفراد عائلتك بالطبع مهتمين بعملك ولكن من الضروري التفكير في مشاركة عملك مع أكبر عدد ممكن من الأشخاص! نشأ راديو الزعتري جزئياً عن انخراطي في مجال الراديو في لندن وكان من الطبيعي بالنسبة لي تقاسم مشروعي مع أشخاص آخرين يعملون في هذا المجال وقد أتاح ذلك ازدياد عدد المتابعين سريعاً منذ البداية. أكد الأشخاص فوراً الطبيعة الممكّنة للراديو في حياتهم ولم يترددوا في دعم وتشجيع مشروع إذاعي يمكّن المجتمعات النازحة في مناطق أبعد. فكر في طبيعة مشروعك واجمع المتابعين حوله: فإذا كان مثلاً معتمداً على الدراجات، يمكنك الاتصال بمجتمع ممارسي رياضة ركوب الدراجات وإذا كان محوره الفنون، فتواصل مع المهتمين بالفنون الذين يمكنهم التماهي مع أفكاره الرئيسية. من خلال قيامك بذلك، فأنت تبني حركة حول مسألة معينة وتعزز الابتكار بين المجتمعات بما يتخطى مشروعك الأولي الخاص.

التمويل ليس عائقاً أمام الابتكار بل فرصة لبناء مجتمع

تُعتبر إدارة مشروعك الإنساني الخاص مكلفة ومن الطبيعي أن تبحث عن مصادر تمويل خارجية لدعم عملك. وتماماً كالمشروع نفسه، يجب أن تكون وسائل التمويل مبدعة ومبتكرة ليس فقط لضمان جمع ما يكفي من التمويل بل أيضاً لجذب انتباه الأشخاص الذين يدعمون مشروعك وزيادة عدد المتابعين. سيرغب داعمو مشروعك بمعرفة أن الأشخاص الذين يقفون خلفه يتمتعون بالقدرات وأنهم أهل للثقة؛ لذا فلا تخف من وضع أهداف كبيرة! ولكننا مولنا راديو الزعتري عن طريق حملات جمع التبرعات وتوفير المكافآت والتمويل الجماعي. ولكن هناك طريق أخرى لدعم عملك!

ونظراً للخلفية الإذاعية والموسيقية الإلكترونية التي نشأ منها، كان طبيعياً لراديو الزعتري أن ينظم حملات جمع تبرعات قائمة على الحفلات. فإلى جانب التمويل الذي سمحت هذه الحفلات بجمعه، شكلت فرصة ممتازة للتواصل مع مبتكرين في المجال الإذاعي لتوسيع انتشارنا. وقد كان الزخم الذي منحته لمشروعنا قيماً كما أكسب التنظيم خلف الكواليس الشرعية لقدراتنا كمشروع يستحق الثقة والدعم. وقد أمنّا أيضاً مجموعة من المكافآت بالاعتماد على صورة العلامة التجارية لتساعدنا ليس فقط في جمع التمويل بل أيضاً في منح الأشخاص الفرصة ليشعروا بأنهم جزء من المجتمع الذي نبنيه. يمثل الأشخاص الذين يرتدون قمصاناً تحمل شعارنا المشروعَ، وبالتالي، فبدلاً من الاكتفاء بطباعة قمصان رخيصة لكسب أكبر قدر ممكن من الأرباح، اخترنا طابعة شاشة حريرية محلية القطن المحايد مناخياً والخاضع للتجارة الحرة للامتثال لأخلاقيات مجتمعنا. وأكرر القول بأن هذه الأمور وسعت نطاق انتشارنا ورسالة مشروعنا بقدر ما ولدت الدخل له!

ولكن القسم الأكبر من التمويل كان مصدره حملة تمويل جماعي على "كيك ستارتر". يمكن كتابة مقال كامل حول عملية إنجاح حملة تمويل جماعي ولكنني سأحرص على إبقائه قصيراً لأغراض هذه المدونة... لا تتردد في إجراء أبحاثك في هذا المجال! فبدءاً من اختيار منصة التمويل الجماعي بعناية وصولاً إلى تصوير شريط فيديو وتقديم المكافآت، تتطلب كل خطوة تفكيراً جيداً لضمان إنجاح الحملة. ويشكل قضاء بعض الوقت في مراجعة الحملات الناجحة التي أُطلقت في سياق مشاريع إنسانية مماثلة ووضع لائحة بأفضل مواصفاتها، بداية جيدة.

راف داغ يقدم عرضاً في حملتنا الأولى لجمع التمويل.

المشاريع الإنسانية الشعبية: كيف تطلقها

هل أنتم جاهزون للتنفيذ على الأرض، ماذا تتوقعون الآن؟

أكتب هذه المدونة في المراحل الأولى لمشروعنا في الأردن حتى أتمكن من الحديث عن توقعاتي للأسابيع المقبلة. بالطبع، لقد خططنا مشروعنا وراجعناه بدقة ولكن بعد بضعة أيام، واجهنا عوائق ومشاكل لا يمكن تفسيرها. من المتوقع حدوث ذلك في فترة الاختبار وفي المراحل الأولى للعملية الابتكارية التي تجريها. من الضروري طبعاً تصميم المشروع بطريقة مرنة لضمان استعدادك للتكيف مع أي مشاكل قد تنشأ ولكن احرص على عدم الإغفال عن أهداف مشروعك. كيف ستوثر الأعراف المحلية على سير راديو الزعتري؟ هل تم النظر في جميع الأطر التنظيمية عند التخطيط للمشروع؟ كيف سنتكيف مع الطبيعية الحساسة للبث الإذاعي ضمن إطار العمل الإنساني؟ هل استعددنا بشكل مناسب لتأمين التجهيزات؟ هل هناك اهتمام كافٍ بالراديو لضمان استدامة المشروع؟

أحب الاعتقاد بأننا نملك إجابات عن هذه الأسئلة، ولكن الواقع على الأرض مختلف جداً عن التسيير النظري للمشروع. سنعرف الإجابات الحقيقية في الأسابيع المقبلة وسنكتشف ربما ما كان بإمكاننا القيام به بشكل مختلف لضمان نجاح مشروعنا الإنساني. وسيُفصل المقال التالي طريقة تخطيط المشروع وفقاً لتوقعاتنا ويوفر توجيهات من خبرتنا الخاصة.

إبداء الرأي

يهدف هذا المنشور إلى تفصيل التوجيهات لبدء مشروع إنساني شعبي والكشف عن التوقعات للأسابيع التالية. ويسرنا أن نسمع تجاربك وأفكاراً إضافية عن المشاريع الشعبية بما في ذلك الطريقة التي ساعدك من خلالها هذا المقال.

إلا أن نقطة البداية هي: غامر، يمكنك القيام بذلك! حظاً موفقاً!