إغلاق sites icon close
Search form

البحث عن موقع البلد

نبذة عن البلد

موقع البلد على الإنترنت

الفقر والعوز يحاصران الملايين من السوريين بعد عقد من المعاناة

قصص

الفقر والعوز يحاصران الملايين من السوريين بعد عقد من المعاناة

هناك حاجة لاستمرار تقديم الدعم من جانب المجتمع الدولي والإنساني لمساعدة السوريين على التكيف مع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة.
15 مارس 2021 متوفر أيضاً باللغات:
604f7c34220.jpg
عبير، 30 عاماً، تقف مع أطفالها خارج منزلهم في دير حفير، سوريا.

في غرفة خافتة الأنوار داخل شقة صغيرة في مدينة حلب تعيش فيها مع عائلتها، تجلس الطفلة أمل، البالغة من العمر تسع سنوات، على فراشها ممسكة ببطانية تغطي فيها إصابة غيرت مسار حياتها. فقبل ثماني سنوات، ولم تكن تتجاوز من العمر 18 شهراً، فقدت أمل ساقها اليمنى عندما وقعت قذيفة على منزل الأسرة في مدينة حماة لتنفجر في غرفة نومها عندما كانت نائمة.


بعد اضطرارها للفرار من القتال، تنقلت الأسرة عدة مرات بحثاً عن الأمان قبل أن تستقر أخيراً في حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا والعاصمة الصناعية للبلاد في السابق، والتي لا تزال حتى اليوم تحمل العديد من ندوب أزمة تعصف بالبلاد منذ عشر سنوات.

وأوضحت سمر، والدة أمل والبالغة من العمر 37 عاماً، قائلة: "لقد انتقلنا من منزل إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى. أصعب شيء بالنسبة لنا كان النزوح مراراً وتكراراً، لأنه في كل مرة كنا ننقل فيها أمل، كان جرحها ينزف مرة أخرى. استغرق الأمر سبعة أشهر حتى التأم جرحها".

وبعد أشهر من العلاج، أصبحت أمل الآن قادرة على الذهاب إلى المدرسة سيراً على الأقدام بمساعدة ساق اصطناعية، وهي تحلم بأن تصبح محامية يوماً ما. وقالت أمل: "لا أحب أن أجلس دون فعل أي شيء. أمشي إلى المدرسة بمفردي وهو ما أفضل فعله وهو ليس أمراً صعباً. صار عندي أصدقاء في المدرسة منذ اليوم الأول".

ومع مشهد المباني المتضررة وأكوام الأنقاض في الحي الفقير الذي يعيشون فيه، بدأت علامات الحياة الطبيعية تعود تدريجياً برفقة السكان السابقين الذين اضطروا للفرار خلال أسوأ المعارك.

ولكن على الرغم من استعادة التجار للورش المتضررة وعودة حركة المرور في ساعة الذروة، إلا أن التأثير المدمر للاضطرابات على مدى العشر سنوات الماضية لا يزال واضحاً، وبالنسبة للكثيرين مثل عائلة أمل، فإن درجة المشقة الآن أسوأ من أي وقت مضى. فقد أدت سنوات من النزوح إلى استنزاف أي مدخرات كانت بحوزتهم، مما جعلهم غير قادرين على تدبر نفقات الإيجار أو الرعاية الصحية، والاعتماد كلياً على وكالات الإغاثة والتبرعات.

وقالت سمر: "بقدر ما أحاول أن أشرح [لكم] مدى صعوبة الوضع، إلا أنه أسوأ بكثير. قبل الأزمة كان لدينا منزلنا الخاص بنا، وكان زوجي يعمل. أما الآن، فعلينا التفكير أكثر من مائة مرة قبل أن نشتري أي شيء، سواء أكان طعاماً أو ملابس أو أي شيء آخر. لم أتخيل أبداً أن أجد نفسي في مثل هذا الوضع".

على مدى العقد الماضي، أُجبر ملايين السوريين مثل أمل وعائلتها على الفرار من ديارهم في أزمة نزوح لا تزال هي الأضخم في العالم. يعيش أكثر من 5.5 مليون سوري كلاجئين في البلدان المجاورة، ولا يزال 6.7 مليون نازح داخل البلاد، بما في ذلك ما يقدر بنحو 2.5 مليون طفل.

إضافة إلى ذلك، تشهد سوريا في الوقت الحالي واحدة من أسوأ فترات الانكماش الاجتماعي والاقتصادي منذ بداية الأزمة. في العام الماضي وحده، فقدت الليرة السورية ثلاثة أرباع قيمتها، بينما ارتفعت تكلفة المواد الغذائية والمواد الأساسية الأخرى بنسبة تزيد عن 200 بالمائة. وما زاد الطين بلة ظهور جائحة فيروس كورونا، وهو ما أدى إلى تفاقم الوضع المتردي أصلاً.

وقد أدى التأثير المشترك لكل ذلك إلى انخفاض كبير في القوة الشرائية وارتفاع مستويات الديون، مما جعل الملايين من الأشخاص غير قادرين على وضع لقمة على مائدة الطعام وعلى تلبية احتياجاتهم الأساسية. اليوم، يحتاج أكثر من 13 مليون سوري إلى مساعدات إنسانية وإلى الحماية، فيما يعيش ما يقرب من 90 بالمائة من السكان في حالة من الفقر.

لكن على الرغم من التحديات الهائلة، يواصل السوريون إيجاد طرق ملفتة للنظر للمثابرة ومحاولة إعادة بناء حياتهم. يختار الآلاف من النازحين سابقاً العودة إلى مدنهم وقراهم، على الرغم من الدمار الواسع النطاق الذي طال المنازل والمدارس المحلية والمستشفيات والبنى التحتية الأخرى.

"واجهت العديد من التحديات أثناء محاولتي العودة إلى المنزل"

تتحدر عبير من بلدة دير حفير، الواقعة على بعد 50 كيلومتراً شرق حلب، وقد نزحت الشابة البالغة من العمر 30 عاماً، وهي أم لخمسة أطفال هي وعائلتها عدة مرات. أثناء النزوح، قُتل زوج عبير وهو في طريقه لشراء الطعام من أحد المحلات التجارية. بعد عام، وفي ظل تحسن الوضع الأمني ​​في مدينتها، قررت عبير العودة، وقالت: "واجهت العديد من التحديات أثناء محاولتي العودة إلى المنزل. لم يكن بإمكاني تحمل تكاليف نقلنا، لذلك سرنا من الغسق حتى الفجر، حافي الأقدام ودون ماء. تهت عن أطفالي في جوف الليل، لكنني تمكنت من العثور عليهم مرة أخرى".

عادوا ليجدوا منزلهم متضرراً ومنهوباً. ومع عدم وجود أي عمل أو مدخرات، فقد كان على عبير أن تعاود البدء من الصفر. على مدى أشهر، اضطرت العائلة للنوم على الأرض داخل أحد المباني غير المكتملة، لا يأكلون سوى "البقلة" التي تمكنت من زراعتها على رقعة أرض بالقرب من منزلهم. كما اضطرت عبير إلى ترك أطفالها الصغار وحدهم في كل يوم كانت تخرج فيه للبحث عن عمل.

وأوضحت عبير، قائلة: "عندما عدنا للمرة الأولى، واجهت بعض الظروف الصعبة جداً. مررنا بفترات لم يكن لدينا فيها زيت للطهي، أو أي شيء آخر. بدأت العمل في الأرض واضطررت لترك أطفالي بمفردهم في المنزل. لم يكن بإمكاني شراء أي شيء دون أن أترك أطفالي وحدهم للذهاب إلى العمل".

مع وجود ما يقدر بنحو 12.4 مليون سوري ممن يعانون حالياً من انعدام الأمن الغذائي، تضطر العديد من العائلات للجوء إلى أساليب ضارة للتأقلم مع الوضع، بما في ذلك إخراج الأطفال من المدرسة للعمل أو الزواج القسري. في العام الماضي، كان هناك ما يقدر بنحو 2.5 مليون طفل في سوريا خارج المدرسة، إضافة إلى 1.6 مليون آخرين معرضين لخطر التسرب.

مع تراكم الديون، بدأ أخيراً مسار حياة عبير بالتغير، وذلك بعدما سمعت عن مركز مجتمعي في منطقتها تدعمه المفوضية ويقدم منحاً مالية للمشاريع التجارية الصغيرة.

بعد التقدم بنجاح للحصول على المنحة، تمكنت عبير من فتح متجر صغير، وهي الآن تعيل نفسها وأطفالها بالدخل الذي يدره المتجر.

وقالت عبير: "في اليوم الذي تلقيت فيه [المنحة]، لم أتمكن من استيعاب الأمر. أعتقدت أنني في حلم، فقد تحولت حياتي من الصفر إلى المائة. الشيء الأهم هو أنني لست بحاجة لترك أطفالي بمفردهم بعد الآن".

"أدعو الله أن ينعم أطفالي بحياة جميلة - أفضل من حياتي"

تتلقى عبير أيضاً دعماً نفسياً من أخصائية في المركز المجتمعي لمساعدتها في التغلب على فقدان زوجها ومواجهة التحديات العديدة التي لا تزال تعترض طريقها. لا تزال سنوات النزوح والتعرض للعنف وفقدان أفراد الأسرة وندرة فرص العمل والفقر المتزايد تؤثر بشدة على الصحة النفسية للسكان في كافة أنحاء سوريا.

على مدار السنوات العشر الماضية، استمر موظفو المفوضية بعملهم داخل سوريا لتقديم المساعدة الضرورية للعائلات التي فقدت كل شيء، بما في ذلك المواد الأساسية كالفرش والبطانيات، وتوفير مجموعات المأوى وإجراء أعمال ترميم أساسية للمنازل، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي وخدمات أخرى خاصة بالحماية، إضافة إلى أنشطة الرعاية الصحية والتعليم كشراء المعدات وإعادة تأهيل المدارس.

وبينما تستمر العائلات السورية كعائلة عبير وأمل في إظهار عزيمة ملفتة بعد عقد من الصراع، فقد دفع العام الماضي الكثيرين إلى نقطة الانهيار. هناك حاجة لاستمرار تقديم الدعم من جانب المجتمع الدولي والإنساني لمساعدة السوريين على التكيف مع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة.

وختمت عبير، قائلة: "أدعو الله أن ينعم أطفالي بحياة جميلة - أفضل من حياتي. أريد أن يكبر أطفالي ويكونوا ناجحين، وألا يحتاجوا للاعتماد على أي شخص. لا أريدهم أن يتعرضوا للمهانة التي تعرضت لها".