إغلاق sites icon close
Search form

البحث عن موقع البلد

نبذة عن البلد

موقع البلد على الإنترنت

عودة الأمل إلى شعب البيمبا بعد الاعتراف بمواطنتهم في كينيا

قصص

عودة الأمل إلى شعب البيمبا بعد الاعتراف بمواطنتهم في كينيا

أصبح بإمكان باركي هاميسي الآن أن تقول "أنا أنتمي" بعد أن طاردتها وصمة انعدام الجنسية لنحو ثلاثة عقودٍ من الزمن.
25 أغسطس 2023 متوفر أيضاً باللغات:
ترعرعت باركي هاميسي دون جنسية، بصفتها من شعب البيمبا في كينيا. وأصبحت مساعدة قانونية كي تتمكن من المساعدة في الكفاح من أجل الاعتراف بمواطنة شعبها في كينيا.

ترعرعت باركي هاميسي دون جنسية، بصفتها من شعب البيمبا في كينيا. وأصبحت مساعدة قانونية كي تتمكن من المساعدة في الكفاح من أجل الاعتراف بمواطنة شعبها في كينيا.

تحرك نسمة عليلة الملابس الملونة المعلقة على حبل الغسيل وراء باركي هاميسي، 29 عاماً، وشقيقتيها الصغيرتين – شريفة ونورو – بينما يجلسن خارج منزلهن الحجري، ويحضرن "السمبوسة" - وهي من المأكولات السواحيلية الشعبية الشهية. تبدو الفتيات الثلاث كأي عائلة أخرى، وهنّ يتجاذبن أطراف الحديث ويضحكن مع بعضهن البعض.

ولكن منذ نعومة أظفارها، كانت حياة باركي محاطةً بانعدام اليقين، لأنها تنتمي إلى مجتمع بيمبا من عديمي الجنسية الذين يقطنون المنطقة الساحلية الجنوبية من كينيا. لقد تحطمت نظرتها الإيجابية للحياة في سن مبكرة.

تعود باركي بالذاكرة قائلةً: "لم أعتقد إطلاقاً بأنني مختلفة عن بقية زملائي في المدرسة، حتى وصلت إلى الصف الثالث، حيث كان يقال لي باستمرار ’أنت من البيمبا’، وهذا ما ظل عالقاً في ذهني. كان السكان يقولون بأن البيمبا ليسوا كينيين، لذا كنت أتساءل عن هويتي".

أكثر من قرن من انعدام الجنسية

لسنوات عديدة، تساءلت باركي لماذا يجب أن يكون الأمر على هذا النحو بالنسبة لشعبها، رغم أنهم لم يعرفوا دياراً سوى كينيا.

وقالت باركي: "لقد عانينا مع انعدام الجنسية لأكثر من قرن من الزمن. أنا لا أعرف الكثير عن أجدادي، لكنني أعلم بأنّ جدي ولد ونشأ في كينيا، وكذلك جدتي وأبي وأمي".

يعيش في كينيا ما يقدر بنحو 7,000 شخص من شعب البيمبا. ويعتقد أنهم دخلوا البلاد من زنجبار قبل استقلالها في عام 1963، واستقروا على شريط ساحلي يبلغ طوله 10 أميال حيث اتخذوا صيد الأسماك كمصدر رئيسي لرزقهم. وعندما أصبحت كينيا جمهورية في عام 1964، لم تُسجّل قبيلة البمبا كقبيلة أصلية، ولم يُعترف بالأشخاص المنتمين إليها كمواطنين كينيين.

وفي شرق أفريقيا، يعيش ما يقدر بنحو 103,000 شخص من عديمي الجنسية أو المعرضين لخطر انعدام الجنسية. وفي عام 2014، أطلقت المفوضية حملة #أنا_أنتمي لوضع حدٍ لحالات انعدام الجنسية. دون جنسية أو هويةٍ قانونية، لا يتمكن الأشخاص عديمو الجنسية – مثل شعب البيمبا – من ممارسة حقوقهم أو الحصول على الرعاية الصحية أو التعليم أو العمل الرسمي. وغالباً ما يشعرون بأنهم مستبعدون من المجتمع.

وكانت باركي مصممةً على العمل لتغيير هذا الوضع، والتصدي لانعدام الجنسية؛ حتى قبل أن تفهم تماماً ما يعنيه ذلك. أصبحت متطوعة مجتمعية لمجتمع البيمبا، لتمكينهم المشاركة في الجهود المبذولة من أجل الاعتراف بهم ككينيين.

وتقول باركي: "لم تكن المهمة سهلة، لكننا نجحنا في النهاية.. كان شعبي خائفاً من التعامل مع الحكومة، حتى أنهم كانوا لا يقرون بانتمائهم للبيمبا خوفاً من الاعتقال".

مناصرة لحقوق شعب البيمبا

ونظراً لجهودها الرامية إلى إنهاء حالات انعدام الجنسية في مجتمعها، جرى تعيين باركي كأمينة مجتمعية لشعب البيمبا في كينيا، وبعد ذلك، قررت أن تصبح مساعدة قانونية لمواصلة التوعية في صفوف شعبها وإحداث التغيير.

وأضافت: "كان العمل كمساعدةٍ قانونيةٍ بمثابة ميزة إضافية بالنسبة لي حيث شعرت بأنني أكثر قدرة على الدفاع عن شعب البيمبا.. عندما قرر شيوخ البيمبا تشكيل مجتمع بيمبا في كينيا، رأيت فرصة للعب دور حيوي في تغيير صورة الآخرين عنّا".

بدأت باركي العمل مع "مركز هاكي" – وهو عبارة عن منظمة غير حكومية لحقوق الإنسان تعمل مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مقاطعتي كيليفي وكوالي في المنطقة الساحلية في كينيا – للدفاع عن حقوق المجتمعات عديمة الجنسية.

وبعد سنوات من جهود حشد الدعم التي بذلها "مركز هاكي" بدعمٍ من المفوضية، أعلنت الحكومة الكينية في ديسمبر 2022 أنها ستبدأ عملية الاعتراف بالبيمبا كمواطنين كينيين. يعد شعب البيمبا من بين 16 مجموعة من السكان الساحليين الناطقين باللغة السواحيلية، وجرى الاعتراف بها في يناير كواحدة من المجتمعات العرقية في كينيا.

يتضمن عمل باركي الآن القيام بزياراتٍ للمنازل، والمشاركة في البرامج الحوارية الإذاعية والمنتديات المجتمعية مع قادة البيمبا لتبادل المعلومات حول كيفية تقدم أفراد المجتمع بطلبات إصدار شهادات شهادات الميلاد – وهي الخطوة الأولى نحو الحصول على الجنسية.

تمكنت باركي من توعية النساء من مجتمعها حول أهمية شهادات الميلاد، وغالباً ما تمشي أميالاً إلى القرى النائية لتوزيع شهادات الميلاد، ولتلافي أن يصبح الأطفال عديمي الجنسية.

وتقول باركي: "أشعر بسعادة غامرة عندما نصدر للأمهات شهادات ميلاد لأولادهن، لأنني أعلم أن هذه هي نهاية مشاكلهن في الحصول على خدمات مثل الرعاية الصحية لأطفالهن. يعتريني الفرح لأن حقوقهم لن تنتهك بعد الآن".

وقالت جميلة محمد - وهي من النساء اللواتي ساعدتهم باركي في تسجيل مواليد أطفالهن: "باركي من الأبطال في مجتمعنا.. نحن نسميها مركز هاكي عندما تتجول في الشوارع أمامنا".

وتوافق شقيقة باركي، شريفة، على ذلك: "يعتبرها كافة أفراد هذا المجتمع بطلةً، نظراً لشجاعتها وجهودها الرامية للمساعدة في الحصول على الاعتراف بمواطنة البيمبا في كينيا".

وبدوره، ذكر أندرو أوتشولا، مدير برامج "مركز هاكي" في مدينة مومباسا، أن المركز يجري أيضاً دورات تدريبية لموظفي التسجيل المدني لمساعدتهم على فهم مسألة انعدام الجنسية، وحقوق الأشخاص عديمي الجنسية، وكيفية التعامل مع تسجيلهم، وخاصة تسجيل المواليد.

نحو مستقبلٍ أكثر إشراقاً

وأضاف أوتشولا بأنه بينما تبدو مشكلة انعدام الجنسية مستعصية، إلا أنها قابلة للحل إذا عملت المجتمعات المتضررة ومنظمات المجتمع المدني والجهات الفاعلة مثل المفوضية معاً لمعالجتها؛ وبأن العنصر الرئيسي لتحقيق النجاح في هذا المجال يتمثل في "حسن النية السياسية".

في 28 يوليو 2023، أقيم حفل للاحتفاء بمناسبة اختتام عملية التسجيل لجميع أفراد شعب البيمبا - وعددهم 7,000 شخصٍ.

وفي حديثها أثناء الحفل، قالت ممثلة مفوضية اللاجئين في كينيا، كارولين فان بيورن، إن كينيا تقدم مثالاً يحتذى للدول الأخرى في الجهود الرامية إلى إنهاء حالات انعدام الجنسية.

واستطردت قائلةً: "إن حفل اليوم هو مثال آخر على التزام كينيا بمعالجة حالات انعدام الجنسية، وإيجاد حلولٍ دائمةٍ لأولئك الذين لا يحملون جنسيةً.. إنّ حلّ هذه المسألة ليس قضيةً من قضايا حقوق الإنسان فحسب، بل هو أيضاً أداة لتعزيز التنمية الجماعية للمجتمع، حيث يضمن ألا يتخلف أحدٌ عن الرُكب، وأن يشعر الجميع بالانتماء، ويتمكنوا من الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والتوظيف، وبالتالي من المساهمة في التنمية الاقتصادية للبلاد"

والآن بعد أن تبددت غمامة انعدام اليقين، ترى باركي أمامها مستقبلاً أكثر إشراقاً، ومليئاً بالإمكانيات غير المحدودة لها ولمجتمعها. أصبح بإمكانها الآن طلب الدعم المالي للحصول على شهادةٍ جامعيةٍ في مجال إدارة الأعمال. وفي يومٍ من الأيام، تأمل باركي أن تقود مشروعها الخاص الذي سيوفر للسكان فرص العمل.

وقالت باركي وابتسامة عريضة تعلو محياها: "لقد ولد مجتمعنا من جديد، فنحن نشعر وكأننا في عالمٍ مختلف؛ عالمٍ يمكننا فيه تطوير وتحقيق أحلامنا التي نسيناها منذ فترة طويلة".