إغلاق sites icon close
Search form

البحث عن موقع البلد

نبذة عن البلد

موقع البلد على الإنترنت

زوجان بولنديان يفوزان بجائزة نانسن عن قارة أوروبا لمساعدتهما اللاجئين الأوكرانيين

قصص

زوجان بولنديان يفوزان بجائزة نانسن عن قارة أوروبا لمساعدتهما اللاجئين الأوكرانيين

بفضل ممتلكاتهم العقارية، عرضت عائلة غروشوفسكي السكن لآلاف الأشخاص الفارين من الحرب في أوكرانيا، لكن عملهم المكرس لتمكين الآخرين يفوق ذلك بكثير.
29 نوفمبر 2023 متوفر أيضاً باللغات:
لينا غروشوفسكا وفلاديسلاف غروشوفسكي (في الوسط وقوفاً) مع اللاجئين الأوكرانيين (من اليسار إلى اليمين) أوكسانا وفاليري ولودميلا.

لينا غروشوفسكا وفلاديسلاف غروشوفسكي (في الوسط وقوفاً) مع اللاجئين الأوكرانيين (من اليسار إلى اليمين) أوكسانا وفاليري ولودميلا.

المطور العقاري البولندي فلاديسلاف غروشوفسكي ليس برئيس تنفيذي تقليدي. يتلقى الرجل البالغ من العمر 71 عاماً المكالمات الخاصة بالعمل على هاتف قديم قابل للطي ويرفض استخدام البريد الإلكتروني، ويفضل المراسلة باستخدام القلم والورق. يأخذ قسطاً من وقته خارج المكتب للاعتناء بقطيعه من الغزلان البور، والذي يتتبعه عبر الريف البولندي على دراجة هوائية.

تتحاشى فلسفته التجارية أيضاً الأعراف. ففي السنوات الأخيرة للشيوعية في بولندا، أطلق خريج كلية السينما مشروعاً زراعياً ناجحاً في وقت كان فيه رجال الأعمال الآخرون ينتقلون إلى صناعات أكثر حداثة. بعد ذلك، أطلق شركته العقارية "آرتشي" في أوائل التسعينيات، لينكب على ترميم المباني التاريخية المهملة والتي أصبحت كالجواهر في سلسلة ناجحة من الفنادق.

وقال فلاديسلاف، وعيناه تتلألأ فوق شاربه الأبيض والمميز، وهو مشهد مألوف على اللوحات الإعلانية حول مدينته سيدلس: "في مجال العمل التجاري، يعتبر المال عنصراً ثانوياً تماماً بالنسبة لي. لم أقرأ قط أي خطة عمل. كسب المال لم يكن يهمني أبداً. كل ما أردته هو أن أكون فرداً مفيداً أو أن أنخرط في مكان ما. العواطف هي التي توجهني".

ليس من المفاجئ إذن أنه أنشأ هو وزوجته الفنانة لينا مؤسسة لينا غروشوفسكا في عام 2014 للانطلاق بعملهما الإنساني، ليصبح أيضاً شيئاً خارجاً عن المألوف.

الفائزان بجائزة نانسن للاجئ للعام 2023 عن قارة أوروبا

بدأت المؤسسة بمساعدة أحفاد البولنديين العائدين إلى وطنهم والذي تعرضوا للنفي إلى آسيا الوسطى خلال حقبة الشيوعية، قبل أن تتوسع لمساعدة الآخرين، بما في ذلك الأشخاص من ذوي الإعاقة والمشردين والسجناء السابقين. وبفضل الأعمال العقارية لعائلة غروشوفسكي، كان مجال الدعم الرئيسي يتركز في توفير الإقامة في المباني المملوكة لمجموعة "آرتشي"، وهي أكبر مشغل للفنادق الخاصة في بولندا وواحدة من أكبر مطوري العقارات.

وفي أعقاب الغزو الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022، التمس أكثر من 1.5 مليون لاجئ الأمان في بولندا المجاورة. وعلى مدار العام التالي، قدمت المؤسسة للاجئين أكثر من 500 ألف ليلة من السكن المجاني، بينما استثمرت في عام 2022 وحده بمبلغ 4.5 مليون دولار من أجل توفير سكن طويل الأجل للعائلات الأوكرانية، بما في ذلك افتتاح مراكز للإيواء في ست مدن بولندية مختلفة.

بناء الشعور بالاستقلالية

وقالت لينا: "من الصعب حقاً أن نتخيل شعور الناس عندما يضطرون للهروب من منازلهم. إنها مأساة هائلة. نحن نساعد بقدر ما نستطيع". لكن الزوجين أدركا أنه على الرغم من أهمية تلبية الاحتياجات الأساسية للاجئين، مثل الغذاء والمأوى، إلا أن هذا لن يكون كافياً في حد ذاته.

وأوضح فلاديسلاف، قائلاً: "هناك حاجة لأن يتم استقبال الجميع على نحو كريم، والكرامة تأتي من خلال العمل. ولهذا السبب، في بيوت اللاجئين التي لدينا، فإننا لا نترك الأشخاص ونقدم لهم [المساعدة] الجاهزة. إنهم نشيطون ويبحثون عن عمل. وأن يكون الشخص مستقلاً فهو مصدر قوة".

فلاديسلاف غروشوفسكي (في الوسط) يزور ورشة السيراميك في مكاتب مؤسسة لينا فروشوفسكا في سيدلس، بولندا.

فلاديسلاف غروشوفسكي (في الوسط) يزور ورشة السيراميك في مكاتب مؤسسة لينا فروشوفسكا في سيدلس، بولندا.

أنشأت المؤسسة بوحي من شغف لينا الفني ورش عمل احترافية توظف العشرات من اللاجئين والبولنديين الذين يعملون جنباً إلى جنب لإنتاج السيراميك المزخرف والأعمال الفنية وغيرها من المنتجات الحرفية التي يتم بيعها عبر الإنترنت وفي فنادق آرتشي. كما افتتحوا سلسلة من المقاهي في سيدلس ووارسو وغدانسك، ويعمل فيها أشخاص من ذوي الإعاقة، ويبيعون الخبز والمعجنات التقليدية المصنوعة في مخبز المؤسسة. في كل من هذه المرافق، فإن الشعور بالعمل الجماعي والمجتمعي يكون واضحاً.

وأوضحت لينا، قائلة: "تدور أنشطة المؤسسة حول الفن بمعناه الأوسع، وهي العادات والتقاليد. الفن والعمل التجاري متشابكان، وهو أمر مثير للاهتمام للغاية. أعتقد أن الفن يقدم الكثير، فهو يغير العالم؛ إنه يغير الناس".

تقديراً لدعمهما للاجئين وغيرهم من الأشخاص في بولندا، فقد تم اختيار لينا غروشوفسكا وفلاديسلاف غروشوفسكي كفائزين إقليميين بجائزة نانسن للاجئ لعام 2023 عن قارة أوروبا، والتي تقدمها المفوضية كل عام.

وقالت لينا: "هذه الجائزة هي لكل فرد من أفراد المؤسسة. وبدون هؤلاء، لما تمكنا من تحقيق أي شيء. لكن بالعمل معاً كمجموعة، فإنه يمكننا فعل الكثير. هذا كل ما في الأمر".

الكرامة تأتي من خلال العمل.

فلاديسلاف غروشوفسكي

 

فلاديسلاف (في الوسط) يرحب باللاجئين الأوكرانيين أوكسانا (يسار) وفاليري (يمين) في ورشة السيراميك التابعة للمؤسسة التي يعمل الزوجان فيها.

فلاديسلاف (في الوسط) يرحب باللاجئين الأوكرانيين أوكسانا (يسار) وفاليري (يمين) في ورشة السيراميك التابعة للمؤسسة التي يعمل الزوجان فيها.

لودميلا، البالغة من العمر 38 عاماً، هي من بين أولئك الذين ازدهروا بفضل دعم عائلة غروشوفسكي ومؤسستهم. فقد وصلت هذه السيدة إلى سيدلس في مارس 2022 مع طفليها، بعد أن فرت من منزلها بالقرب من العاصمة الأوكرانية كييف وبعد أن أمضت ثلاثة أسابيع وهي تحتمي من القتال في أحد الأقبية الواقع أسفل مبنى شقتهم.

أقامت العائلة مع الأصدقاء قبل استئجار شقة مشتركة مع آخرين، ولكن بما أن لودميلا - وهي مصففة شعر - لم تتمكن إلا من العثور على فرص عمل مؤقتة مثل التنظيف وقطف الفطر في وقت شرعت فيه بتعلم اللغة البولندية، فقد بدأ المال والخيارات بالنفاد لديها. وعندها أخبرها أحد الأصدقاء عن المؤسسة التي كانت تعلن عن فرصة للعمل كموظفة استقبال في نزل اللاجئين الذي سيتم افتتاحه في المدينة.

لم تحصل على الوظيفة فحسب، بل إنها ضمنت هي وأطفالها أيضاً الحصول على شقة صغيرة خاصة بهم في النزل الجديد. وقالت لودميلا: "عندما بدأنا العيش بمفردنا في منزلنا الصغير الهادئ، عندها فقط بدأنا نشعر بأننا آمنون. إذا لم يكن لديك عمل، فلن تتمكن أبداً من ضمان المستقبل".

دون الآخرين.. لما تمكنا من تحقيق أي شيء.

لينا غروشوفسكا

 

لودميلا (يسار)، وهي لاجئة من أوكرانيا، تصفف شعر إحدى زبوناتها في صالونها في سيدلس، بولندا.

لودميلا (يسار)، وهي لاجئة من أوكرانيا، تصفف شعر إحدى زبوناتها في صالونها في سيدلس، بولندا.

بفضل الاستقرار الذي اكتسبته من خلال العيش والعمل في النزل، فقد شعرت لودميلا بأنها مستعدة لتحمل المخاطر عندما انتقلت صديقتها الأوكرانية، أوكسانا، وعرضت عليها فرصة شراء صالون تصفيف الشعر الخاص بها وسط مدينة سيدلس. وقد أعادت تسمية نشاطها التجاري إلى "أوكسجين" - في إشارة إلى الاسم الأول لصديقتها والمساعدة التي تلقتها من المؤسسة.

وأوضحت قائلةً: "المؤسسة تقدم الكثير للأوكرانيين. فقد منحتنا تلك الإمكانية - مثل تنفس الهواء - للعمل والوقوف مرة أخرى على أقدامنا بطريقة أو بأخرى في بلد غريب".

القدوة

ومن خلال النموذج الذي قدموه، ألهمت عائلة غروشوفسكي الشركات الأخرى لتحذو حذوها. يعرف كونستانتي ستروس، الزميل في شركة سيدلس للتطوير العقاري، الزوجين منذ أوائل الثمانينيات وهو متزوج من أخت فلاديسلاف. وبعد أن اندلعت الحرب واسعة النطاق في أوكرانيا، عرض على الزوجين فندقاً للعمال يملكه وكان من المقرر هدمه لإفساح المجال أمام مشروع تطوير جديد لإيواء اللاجئين من أوكرانيا بدلاً من ذلك.

وقال ستروس: "لا يمكن لعمل فلاديسلاف ولينا أن يقدر بثمن، فهما قدوة للشركات الأخرى في بولندا. فلاديسلاف شخص متواضع جداً... وهو مصدر إلهام للآخرين لكي يعملوا دون أن يطلب منهم أو يجبرهم. أما لينا فهي تجلب دفئها إلى المؤسسة وتحتضن جميع الأشخاص الذين يعملون معها".

تواصل عائلة غروشوفسكي البحث عن طرق جديدة لتمكين الأشخاص الذين تساعدهم مؤسستهم. وفي أحد الحقول المحيطة بمنزلهم الريفي على بعد 30 دقيقة خارج مدينة سيدلس، يشيدون مبنى خشبياً دائرياً كبيراً في قلب مزرعة بيئية جديدة توفر أماكن إقامة مدعومة وكذلك فرص عمل للأشخاص من ذوي الإعاقة.

يشارك فلاديسلاف قناعته بأن مساعدة اللاجئين لا ينبغي اعتبارها عملاً خيرياً، بل إنها شيء يعود بالفائدة على المجتمعات.

وقال: "أعتقد أن مشكلة اللاجئين سوف تتفاقم، ولا يمكننا أن ننغلق على أنفسنا أو أن نقيم المزيد من الجدران. يمكنهم المساهمة كثيراً، ومن خلال استبعاد هؤلاء الأشخاص، فإننا للأسف نخسر الكثير".

وختم قائلاً: "إنهم أناس طيبون وجدوا أنفسهم في وضع صعب، سواء بسبب الحروب أو تغير المناخ... وكلما زاد عدد المتضامنين منا، أصبح العالم الذي نريد بناءه والمستقبل أكثر جمالاً".