عامان على الحرب: أطفال السودان بين الفراق والأمل
عامان على الحرب: أطفال السودان بين الفراق والأمل

أحد موظفي قسم التسجيل في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تحمل طفلاً سودانياً بعد الانتهاء من عملية تسجيله في القاهرة. تُمنح الأولوية للأطفال غير المصحوبين والمنفصلين عن ذويهم في عملية التسجيل لضمان وصولهم إلى خدمات المفوضية المتاحة للفئات الأكثر احتياجاً، بما في ذلك المساعدة النقدية، وإدارة الحالات، والدعم النفسي والاجتماعي.
بعد عامين على اندلاع الحرب في السودان، أصبح ألم الانفصال تجربة فارقة في حياة آلاف الأطفال. مع تصاعد العنف وانهيار المدن، اضطر الآباء لاتخاذ قرارات مؤلمة، فأرسلوا أطفالهم عبر الحدود مع جيرانهم أو غرباء أو بمفردهم، على أمل أن يجدوا الأمان. بالنسبة للكثيرين، انتهت هذه الرحلات في المنفى. وبالنسبة للبعض، انتهت بهم في صمت.
شهدت مصر، التي تتشارك حدوداً طويلة مع السودان، وصول أكثر من مليون ونصف مليون سوداني منذ أبريل 2023. وقد سُجِّل أكثر من 4300 طفل سوداني غير مصحوبين ومنفصلين عن ذويهم لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. يصل هؤلاء الأطفال - بعضهم في سن الخامسة - وهم مصدومون ومرتبكون ووحيدون، وغالبًا دون أي وثائق أو فهم واضح لمكان تواجد عائلاتهم. انفصل بعضهم خلال عمليات هروب فوضوية، بينما ترك آخرون آباءهم الذين لم يتمكنوا من الفرار.
يقول عمرو سفور، مسؤول حماية الطفل في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر: "نرى أطفالًا يأتون إلى مكاتبنا يوميًا، يسألون إن كان بإمكاننا مساعدتهم في العثور على آبائهم أو أمهاتهم أو إخوتهم أو أي شخص يعرفونه"، مضيفًا: "يحملون معهم أوراقًا مكتوباً عليها أرقام هواتف وصورًا قديمة وذكريات يتشبثون بها".
بالنسبة للمفوضية وشركائها، يبدأ دعم هؤلاء الأطفال بالحماية. يُعد التسجيل الخطوة الأساسية الأولى، فهو يُساعد على منع الترحيل، ويُتيح الوصول إلى الخدمات الحكومية، ويُرسي أسس تتبع الأسر وإدارة الحالات. بمجرد التسجيل، يتم تقييم حالة الأطفال غير المصحوبين والمنفصلين عن ذويهم وإحالتهم للحصول على دعم متخصص، بما في ذلك الرعاية النفسية والاجتماعية وترتيبات الكفالة المؤقتة.
لكن يبقى لم شمل الأسرة جوهر الاستجابة.
يعمل موظفو المفوضية بشكل وثيق مع قادة المجتمع والأخصائيين الاجتماعيين والجهات المعنية بحماية الطفل لتتبع أفراد الأسرة، أحيانًا عبر عدة دول. وغالباً ما تكون العملية شاقة ومعقدة - فقد تُكتب الأسماء بطريقة خاطئة، أو يُجبر الأقارب على النزوح، أو تُتلف السجلات. ومع ذلك، فإن كل تطابق ناجح هو لحظة أمل.
قصة ريان هي واحدة من هذه القصص. في سن الثالثة عشرة فقط، فرت ريان من الخرطوم برفقة جيرانها بعد أن رفضت جدتها - التي تولّت تربيتها - مغادرة منزلها. كانت والدة ريان قد اختفت منذ سنوات، ولم يكن والدها حاضرًا في المشهد. عندما وصلت إلى القاهرة، خائفة ووحيدة، لجأت مؤقتًا إلى لاجئين آخرين. ومن خلال أحد أفراد المجتمع، وصلت قضيتها إلى المفوضية، التي ساعدت في ترتيب رعاية بديلة لها في الإسكندرية.
الصادق عثمان، لاجئ سوداني يقيم في مصر منذ عام ٢٠٠٥، تلقى اتصالًا من صديقٍ قال له: "لديك ابنتان بالفعل. أعتقد أنك ستكون أبًا رائعًا لطفلة ثالثة". رحّب بها في منزله دون تردد.
"منذ وصولها، أصبحت واحدة منا. إنها بمثابة ابنتي".
اليوم، ريان في أمان. تتشارك الطعام مع عائلتها الجديدة، وتضحك مع شقيقاتها بالكفالة، وتستعد للالتحاق بمركز تعليمي مجتمعي سوداني حتى تُصبح وثائقها كاملة. تواصل المفوضية تقديم الدعم، بينما تعمل بنشاط على تتبّع أي أقارب متبقّين.
قصتها واحدة من بين آلاف القصص. وراء كل رقم، هناك طفل يبحث عن التواصل والاستقرار والانتماء. لا تقتصر جهود موظفي حماية الطفل في المفوضية على مساعدة الأطفال على البقاء على قيد الحياة فحسب، بل تُساعدهم أيضًا على إعادة بناء شعورهم بالأسرة والهوية والمستقبل.
في بعض الحالات، يتم لمّ الشمل بسرعة. وفي حالات أخرى، قد يستغرق الأمر شهورًا أو حتى سنوات. لكن تُعطى الأولوية دائماً لمصلحة الطفل الفضلى والحفاظ على بقاء أشقائه وأفراد أسرته معًا كلما أمكن ذلك.
في حين يستمر حجم النزوح في الازدياد - حيث أُجبر ما يقرب من 13 مليون شخص على الفرار من السودان - تُذكرنا قصص أطفال مثل ريان بما هو على المحك. ليس فقط المأوى أو الطعام، بل الروابط التي تُشكل الطفولة نفسها.
يقول سفور: "لا يمكننا إيقاف الحرب، ولكن يمكننا مساعدة هؤلاء الأطفال على العثور على عائلاتهم مجددًا. أو على الأقل، مساعدتهم في العثور على عائلة جديدة".