المعلمون اللاجئون السوريون يسدُّون الفجوة اللغوية لتعزيز التعليم للجميع في العراق
بينما يستمتع الطلاب في مدرسة كوباني في السليمانية، في إقليم كردستان العراق، بعطلاتهم الصيفية، فتحت الفصول الدراسية أبوابها لأنواع أخرى من المتعلمين وهم المعلمون اللاجئون وأولياء الأمور.
وطوال الصيف، كانت مقبولة من بين حوالي 30 لاجئًا سوريًا يحضرون الدروس الصباحية لتعلم اللغة لمدة أربعة أيام في الأسبوع. وبينما يكتب المدرس كلمات جديدة على السبورة، يقرأ الطلاب هذه الكلمات ويكررونها بصوت عالٍ، فيملؤون الفصل الدراسي بصوت لغة جديدة.
مقبولة تحضر دروس تعلم اللغة الكردية في السليمانية © المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين/ رشيد حسين رشيد
نشأت مقبولة في سوريا وهي تتحدث اللهجة الكرمانجية الكردية السائدة بين المجتمعات في شمال غرب سوريا، وبعد أن أكملت دراستها لتصبح معلمة، بدأت حياتها المهنية في مسقط رأسها كوباني، وانضمت إلى هيئة التدريس المحلية وقامت بتدريس المناهج العربية، ولم يقتصر عملها على التدريس فقط؛ فقد لعبت دورًا حاسمًا في تطوير مجتمعها من خلال رعاية العقول الشابة وتمكين الجيل القادم بالمعرفة.
وعندما فرّت مقبولة إلى العراق في عام 2019 بسبب النزاع المسلح، ساعدتها معرفتها باللهجة الكرمانجية في مواصلة الحياة اليومية في إقليم كردستان العراق. ومع ذلك، ولمواصلة عملها كمعلمة في المدرسة المحلية، كانت بحاجة إلى إتقان معرفتها باللهجة السورانية، وهي اللهجة الكردية الأكثر انتشارًا في إقليم كردستان العراق واللغة الرسمية للتدريس في المدارس العامة.
وفي بداية الأزمة السورية، أنشأت حكومة إقليم كردستان نظامًا تعليميًا موازيًا للاجئين، يتميز بمنهج تعليمي خاص بإقليم كردستان العراق ومواد تعليمية يتم تدريسها باللغة العربية من قبل معلمين لاجئين سوريين في مدارس للاجئين فقط. ولكن في عام 2022 تغير هذا النظام بالتزامن مع إطلاق سياسة إدماج تعليم اللاجئين، والتي تسعى إلى دمج أطفال اللاجئين السوريين والمعلمين المؤهلين تدريجيًا في نظام التعليم العام.
وتقول مقبولة: "تم تغيير لغة المناهج إلى اللغة السورانية الكردية، مما أدى في البداية إلى ظهور صعوبات لنا كمعلمين وللطلاب اللاجئين أيضًا، حيث اعتدنا على التدريس والتعلم باللغة العربية".
أولياء أمور لاجئون يحضرون دورات تعلم اللغة في السليمانية © المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين/ رشيد حسين رشيد
ولتسهيل هذا التغيير، تقدم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دورات تعلم اللغة الكردية للمعلمين اللاجئين السوريين، مما يساعدهم على تحسين قدرتهم على تقديم تعليم عالي الجودة لكل من الأطفال اللاجئين والعراقيين في الفصول الدراسية المدمجة. ومنذ سبتمبر 2022، قدمت المفوضية دورات لغوية لأكثر من 40 ألف طفل لاجئ وولي أمو ومعلم.
وتتوفر أيضًا دورات لغوية للطلاب اللاجئين لمساعدتهم على فهم لغة التدريس الجديدة، وكذلك لأولياء الأمور اللاجئين لتمكينهم من دعم تعلم أطفالهم.
وتقول مقبولة بعزم، وهي تتطلع إلى العام الدراسي القادم 2024-2025: "نحن نستفيد حقًا من هذه الدورات... الآن يمكننا القراءة والكتابة والتدريس بفعالية باللهجة السورانية الكردية، وأشعر بالثقة والقدرة على تقديم الدروس للطلاب".
إن تنفيذ سياسة إدماج تعليم اللاجئين هو نتيجة جهد مشترك بين حكومة العراق والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين واليونيسيف ومنظمة إنقاذ الطفولة، وهذه السياسة لا تعني إحداث تحول تعليمي فحسب، بل تحول اجتماعي أوسع نطاقًا، فمن خلال تمكين المعلمين اللاجئين، وتوفير فرصة المساهمة بشكل هادف في النظام التعليمي في العراق، تعود المبادرة بالفائدة على كل من أطفال اللاجئين والمجتمعات التي رحبت بهم، كما تساهم في تأمين فرص كسب العيش لمستقبل أكثر استدامة وشمولية.
ومن جانبه صرح السيد دلشاد عمر، مدير عام التربية في محافظة السليمانية في حكومة إقليم كردستان، قائلًا: "مع اقتراب العام الدراسي الجديد، تعمل المنظمات على إعداد الطلاب والمعلمين في مواقع مختلفة لتعلم اللغة وتنفيذ البرنامج بنجاح. وبفضل التعاون القوي مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قمنا بإعداد موظفين مدربين جيدًا لتسهيل دورات اللغة للطلاب والمعلمين في جميع المدارس في محافظة السليمانية".
وجدير بالذكر أن سياسة إدماج تعليم اللاجئين أصبح ممكنًا بفضل شراكة "آفاق"، وهي عبارة عن مبادرة تقودها وتمولها حكومة هولندا، ويتمثل أحد أهدافها في السعي إلى إيجاد حلول مستدامة للاجئين والنازحين داخليًا والمجتمع المضيف في العراق، بما في ذلك من خلال تعزيز الإدماج في أنظمة التعليم الوطنية.
إن نجاح سياسة إدماج تعليم اللاجئين يتحدث عن نفسه؛ ففي العام الدراسي 2023-2024، تم تسجيل 70 في المائة من جميع أطفال اللاجئين السوريين في 1500 مدرسة عامة في إقليم كردستان العراق، بزيادة قدرها 11 في المائة عن العام الدراسي السابق.
وبالنسبة للعديد من المعلمات مثل مقبولة، فقد لعبت دروس اللغة أيضًا دورًا فعالًا في السماح لهن بمواصلة مهنتهن ودعم أسرهن واكتساب مهارات جديدة.
وتختتم مقبولة حديثها قائلة: "عُينّا كمعلمات مؤهلات، مثل المعلمين المحليين، وبالتالي نتبادل الاستفادة".
ساهم كل من فرحة بويرو وكارلو جيلو في إعداد هذه القصة.