قصة منيرة، لاجئة من بين 2.9 مليون سوري أجبروا على قضاء رمضان بعيداً عن وطنهم
قصة منيرة، لاجئة من بين 2.9 مليون سوري أجبروا على قضاء رمضان بعيداً عن وطنهم

تصف منيرة، وهي امرأة في السبعين من عمرها، مدينة حلب السورية التي كانت جميلة في يوم من الأيام، كمدينة يخيّم عليها الغبار والموت. تتحدّث عن خوفها الشديد من البراميل المتفجرة المتساقطة، وعن الجوع بعد نفاد الطعام وعن أصغر أحفادها الذي أفقدته الصدمة القدرة على النطق.
وبعد أشهر امتدت إلى سنوات، خشيت منيرة أن تخطف الحرب حياة أولادها أو أحفادها الغالين على قلبها. فالمعارك لم تتوقف حتى في شهر رمضان.
القضاء والقدر
يتوافد السوريون إلى دول الجوار بمعدل 100 ألف لاجئ في الشهر، وما منيرة إلا واحدة من 2.9 مليون لاجئ سوري ممن أجبروا على قضاء شهر رمضان بعيداً عن وطنهم.
عندما دُمر بيتها والحي الذي تقطنه جرّاء قصف بالقنابل في شهر يناير/كانون الثاني، شكرت منيرة الله على نجاة أولادها مجدّداً. ولكن إلى متى سينجحون في النجاة من الرصاص والقنابل؟
هربت منيرة، وأولادها وعائلاتهم بعد نجاتهم من قنبلة دمرت منزلها وتسببت لهم بإصابات بالغة، عن طريق حلب التي مزقتها الحرب، وقطعوا بعدها مئات الكيلومترات قبل أن يصلوا إلى العراق. عبرت العائلة الحدود مشياً على الأقدام، وتجرّأت منيرة على التفكير في أن عائلتها قد تنجو أخيراً من الحرب الرهيبة.
لكن الحياة قد تكون قاسية. فبعد يومين فقط على وصولهم، أصيب ابن منيرة ويدعى حميد، بأزمة قلبية حادة أدت إلى وفاته. حطمت وفاته قلب منيرة التي اعتقدت أن أولادها أصبحوا أخيراً بأمان.
الحاجة الماسة للتمويل
أطلقت المفوضية وشركاؤها في ظل استمرار أعمال العنف في سوريا والتدفق المتزايد للاجئين إلى المنطقة، تحذيراً من المخاطر الجسيمة التي قد تنشأ عن استمرار الثغرات في التمويل وعن عدم تلبية الاحتياجات المتزايدة للاجئين. حيث قال المفوض السامي أنطونيو غوتيريس: "قد يتسبب عدم توفير الدعم الإنساني الكافي للاجئين السوريين مع نهاية العام 2013 بعواقب كارثية على اللاجئين وعلى استقرار المنطقة كاملةً وفي ذلك تهديد خطير للأمن في لبنان."
قدمت الجهات المانحة حتى الآن، في العام 2014، حوالي 1.1 مليار دولار أميركي لخطة الاستجابة الإقليمية لسوريا، ما سمح للمفوضية وشركائها بتلبية الكثير من احتياجات اللاجئين على صعيد الغذاء والصحة والتعليم والحماية. ولكن هذا المبلغ لا يشكل سوى 30 في المئة فقط من الاحتياجات المقدرة بعد المراجعة في ظل تقديرات جديدة بوصول عدد اللاجئين السوريين في المنطقة مع نهاية العام 2014 إلى 3.6 مليون لاجئ.
وحذر غوتيريس الذي شكر الجهات المانحة على مساهمتها السخية حتى الآن، من بعض المصاعب والمخاطر التي ستواجه اللاجئين إذا لم يرتفع معدّل التمويل بسرعة كافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة.
مشكلة الغذاء
تقول منيرة، إن المهام اليومية كشراء الخبز كانت لها عواقب مميتة في الأشهر التي سبقت هروبها مع عائلتها من مدينة حلب السورية - فهل ينتظر المرء يوماً إضافياً من دون طعام كافٍ للأولاد أو يتحدى القناصين والقنابل المتساقطة للذهاب إلى المتجر؟
كالكثيرين من السوريين، تتباهى منيرة وهي أم لعائلة كبيرة، بما تعده هي وبناتها من أطباق، وخصوصاً للإفطار في شهر رمضان. ولكن، بعد أشهر من الحرب، تتضاءل كميات اللحوم، والفاكهة والخصار، ويتحول الحصول على المواد الغذائية إلى معركة أخرى في الحرب الأهلية المريرة.
الحياة في المخيم
اليوم، منيرة هي لاجئة سورية تعيش مع عائلتها في العراق، وغالباً ما تناهز درجات الحرارة في مخيم بسيرمة النائي للاجئين الذي تقطنه في فصل الصيف 35 درجة مئوية. ومع عدم وجود ثلاجة في الخيمة، تنفق العائلة مبالغ كبيرة من المال النفيس لشراء مكعبات الثلج، ويعتمد أفرادها على حمية غذائية جافة.
الخيام حارة جداً، حتى مع وجود المراوح التي وفرتها المفوضية. وتشكل العقارب والأفاعي السامة خطراً يومياً، لكن بحسب منيرة، الأسوأ هو رؤية الشباب في المخيم، فهم غاضبون، وحزانى ومصدومون بسبب الذعر الذي عانوه في سوريا.
الحنين إلى حلب
وفيما تقبل العائلة على شهر رمضان، تقول منيرة إن الإفطار هذه السنة سيختلف كثيراً عن الإفطار ما قبل الحرب. لكنها لن تتذمّر؛ فعلى الأقل المواد الغذائية متوفرة في المخيّم. وعلى الرغم من أن بعض أولادها وأحفادها يعيشون معها، إلا أن لحظات صمتها تعكس مدى تأثرها بالحرب ومدى اشتياقها إلى وطنها.
في حلب، عاشت منيرة لسنوات طويلة في شقة مع زوجها، ولم يفارقها أولادها يوماً. أما اليوم، فلم يبقَ شيء من منزلها وهي تعاني للتأقلم مع حياتها في الخيام شمالي العراق.
أمنيات رمضان
تقول منيرة إنها تتمنى أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب، وخصوصاً في رمضان، عندما كان أعمامها وأشقاؤها وشقيقاتها وأولادها جميعهم يحيطون بها. ولكن نظراً لعدم وجود بوادر لنهاية الحرب، تقول منيرة إن كل ما يمكنها فعله هو الدعاء لعائلتها، وتمني عودتهم إلى الوطن قريباً.
لم تتصوّر منيرة يوماً أنها ستصبح لاجئة بعد أن بلغت السبعين من العمر، ولم تتصوّر أن يسبقها أحد أولادها إلى الموت أو أن مدينتها الجميلة ستمزق نفسها بنفسها بالحرب. لكن منيرة، وعلى الرغم من كونها لاجئة، تشكر الله على ما تملكه.
تقول إنها تحلم كل ليلة بأنها لا تزال تعيش في مدينة حلب السورية، إلا أنها تستيقظ لترى نفسها في خيمة في العراق، فتتذكر بأنها لاجئة وأن حياتها السابقة ليست سوى ذكرى.
رسالة تهنئة من المفوض السامي بمناسبة شهر رمضان