من اليرموك إلى أوروبا.. قصة لاجئة فلسطينية
من اليرموك إلى أوروبا.. قصة لاجئة فلسطينية

تجلس نسرين تحت مظلة في إحدى الجزر، لكنّها ليست سائحة. إنها لاجئة للمرّة الثانية، وحبّها للرسم يدفعها للمضي قدماً للعثور على وطنٍ بديل لها.
وجه طويل وأنيق، نحتت معالمه الحرب والحزن. حياةٌ بعيداً عن الوطن ومن ثمّ المزيد من السفر. هكذا تصف نسرين نفسها وقصّتها.
عندما التقينا بها، كانت نسرين تجلس بهدوء على كرسي تحت مظلة خارج فندق صغير في جزيرة كوس باليونان. يأتي السياح إلى هذه الجزيرة للاستمتاع بجمالها والسلام فيها، لكنّ نسرين ليست سائحة. إنها لاجئة فلسطينية-سورية وتطاردها ذكريات الحرب والقصف المستمر.
تقول: "اضطر الجميع للنزول إلى الملجأ. كانت مساحته لا تتجاوز 25 متراً مربعاً وقد تواجد فيه 1,000 شخص ولربما أكثر بقليل. كان من بينهم الكثير من النساء والأطفال. وكان الوضع مأساوياً، فلم نحصل على الطعام أو المياه لمدّة ثلاثة أيام. وقد قُصِف الملجأ من جهة المدخل ليلقى شاب حتفه وتعرّض العديدون للإصابة".
حدث ذلك في اليرموك بالقرب من دمشق. وعلى مدى 60 عاماً تقريباً شكّل اليرموك مخيماً ضخماً للاجئين الفلسطينين وهو أكبر مخيم في سوريا. استضاف المخيم في وقت من الأوقات ما يزيد عن 100,000 شخصٍ. ومن ثمّ وقعت الحرب في سوريا. وعلى مدى أربعة أعوام، كان مخيم اليرموك عرضةً للقصف والحصار.
صمدت نسرين التي تبلغ من العمر 30 عاماً وتعمل كرسامة تماماً كإخوتها وأمّها. كانت حياتها تتمحور حول عائلتها وفنّها. ولكنّ شظايا إحدى القذائف انفجرت في ذراع ورئتَيْ أحد إخوتها. وقد نجا ولكنّ ذراعه عديمة الفائدة الآن وتشوّهت رئتاه على نحوٍ رهيب.
انتقلت نسرين مع أمها إلى مخيم خان الشيح الواقع بالقرب من اليرموك. وقد تعرّض هذا المخيم أيضاً للقصف ولكنّ الاعتداءات كانت أخفّ حدّةً. وقد علق رجال اليرموك جميعاً بسبب الحصار.
صمدت نسرين ولكن بعد أربعة أعوام لم يعد هناك أي فنّ في حياتها في ظل الحرب، وقالت: "ليس لدي أدوات للرسم. أشياء كثيرة انكسرت في داخلي".
حثّتها والدتها، وهي الشخص الأقرب إلى قلبها، على الفرار للانضمام إلى صهرها أحمد وعائلته في تركيا ومن ثمّ إلى المضي قدماً. وفي شهر مايو/أيار، غادرت ببطء وألم وتوقّفت عند اثنتي عشرة نقطة تفتيش حيث شاهدت الرجال وهم يُسحبون من الحافلات ويتعرضون للضرب.
بعد أسبوعَيْن في تركيا قرّرت هي وصهرها العبور مجدّداً إلى أوروبا. وفي المضيق الذي يفصل بين تركيا وجزيرة كوس انقلب قاربهما تقريباً بسبب الأمواج العاتية. وقد اعتقدت بأنّهما سيموتان.
لقد باتت هذه المرأة الهادئة والرزينة التي تجلس على الكرسي منهكة القوى بعد يوم من وصولها. وقد استراحت قليلاً في فندق كابتن الياس المقفل الذي يستضيف مئات اللاجئين، وهو فندق مهجور لا يحتوي على المياه أو الكهرباء. وقد وزّع المتطوعون اليونانيون الطعام الذي تبرّعت به المطاعم والفنادق على الواصلين الجدد.
ولا تعتبر جزيرة كوس ولا حتى اليونان ككلّ سوى محطتَيْ عبور بالنسبة إلى نسرين والآخرين. فهي وصهرها يأملان بالوصول إلى هولندا حيث تعيش أخته. رحلة أخرى وبلد آخر حيث ستعيش كغريبة. وتقول بهدوء وهي تحتبس دموعها: "وطني الحقيقي هو أمّي سواء أكان بعيداً أم قريباً. فالوطن ليس بلداً بل هو الأشخاص الذين أحبّهم أي عائلتي. ووطني الحقيقي هو في داخلي".
بقلم دون موري