اللاجئة رقم مليون تبصر النور في أوروبا
اللاجئة رقم مليون تبصر النور في أوروبا

لم يتخطَّ عمر سمر الزيادي الساعات، ولكنها عانت أكثر مما قد يعاني غالبية الأشخاص طوال حياتهم. وما يميزها أيضاً هو أنها قد تكون المولودة اللاجئة أو المهاجرة رقم مليون التي تصل إلى أوروبا عن طريق البحر في عام 2015.
مستلقيةً على سريرها في المستشفى، تروي أحلام، والدة سمر، التي تبلغ من العمر 30 عاماً، البداية الفريدة لحياة ابنتها التي ولدت منذ فترة قصيرة.
فقبل أحد عشر يوماً من ولادة الطفلة، بدأت أحلام رحلتها الطويلة من بيروت، لبنان، بهدف الوصول إلى ألمانيا حيث يقيم أقاربها لبدء حياة جديدة. تقول: "قمت بهذه الرحلة لأنني شهدت على الكثير من الأمور السيئة وعشت الكثير من الأيام الحزينة وقررت المجازفة للتخلص من كل ذلك".
في 19 ديسمبر/كانون الأول 2015، ودّعت أحلام وهي في مرحلة متقدمة من الحمل زوجها وسيم الذي لم يتمكن من جمع ما يكفي من المال لرحلته، وسافرت وحدها مع ابنتهما سحر التي تبلغ من العمر ستة أعوام.
أصيب وسيم في ساقه عام 2011 في بلدته إدلب السورية الغارقة في الحرب وفرت العائلة إلى بيروت حيث عمل وسيم كعامل لأربعة أعوام ولكن العصب في ساقه المتضررة انقطع مؤخراً واضطر إلى التوقف عن العمل.
وتقول أحلام محتضنةً سمر المقمطة في سريرها في المستشفى: "لم نستطع تحمل البقاء في لبنان ولا يمكننا العودة إلى سوريا بسبب الحرب؛ فلم يكن أمامنا خيار آخر".
إن مشاكل أحلام المالية يعانيها منها مئات آلاف اللاجئين في لبنان. وبعد خمسة أعوام على بدء الأزمة في سوريا، استنزف اللاجئون مدخراتهم وباعوا ممتلكاتهم القيمة وتضاءلت قدرتهم على إيجاد عمل بينما انخفضت المساعدات الإنسانية نتيجة نقص التمويل.
يعتبر لبنان من البلدان الصغيرة إلا أنه يستضيف أكثر من مليون لاجئ سوري - بمعدل لاجئ واحد لكل أربعة مواطنين. ووفقاً للتقديرات، يقع 90 في المئة من هؤلاء اللاجئين في دين متزايد في حين أن 70 في المئة كانوا يعيشون تحت خط الفقر الوطني في عام 2015، وقد ارتفعت نسبتهم من 50 في المئة في العام السابق.
أما في أوروبا، فتبلغ نسبة اللاجئين أو المهاجرين واحداً فقط لكل 500 مواطن، وذلك، حتى بعد السماح بتدفق مليون شخص يبحثون عن مأوى هرباً من الحرب والاضطهاد عام 2015.
وانطلقت أحلام مع سحر براً عبر سوريا، وطنها الأم المضطرب، واتجهتا شمالاً.
استغرقت الرحلة يومين. واضطرتا إلى النوم على جانب الطريق إلى أن وصلتا أخيراً إلى الحدود التركية التي عبرتاها مشياً على الأقدام وركضاً طوال ثلاث ساعات.
وتقول أحلام: "كنت متعبةً جداً وشعرنا بالخوف الشديد وكأننا كنا نلعب لعبة القط والفأر مع الشرطة. كنا نختبئ ونركض وقد تمنيت الموت مراراً؛ فقد كنت أحمل حقيبتين وأمسك يد ابنتي".
استقلتا حافلةً طوال 17 ساعةً لعبور تركيا ووصلتا أخيراً إلى مدينة إزمير الساحلية.
في عام 2015، توفي أكثر من 10 أشخاص أو فقدوا يومياً كمعدل بينما كانوا يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، وكانوا بغالبيتهم الساحقة يفرون من الحرب والاضطهاد؛ فأكثر من 80 في المئة من الذين نجحوا في العبور أتوا من البلدان الأكثر إنتاجاً للاجئين.

وتقول أحلام: "سمعنا الكثير عن تحطم القوارب والجميع يخشى ذلك".
شعرت أحلام بالخوف، ولكنها لم تفقد شجاعتها. ونظراً إلى عدم وجود أي خيارات قانونية أخرى للوصول إلى بر الأمان، اتصلت بالمهربين الذين وضعوها مع ابنتها في زورق مطاطي مع 43 شخصاً آخرين وأطلقوهم في الظلام عند الساعة 4:30 فجراً.
وتقول: "كانت المرة الأولى التي أصعد فيها على متن قارب ولم أتمكن من رؤية شيء".
أما ابنتها سمر فقد جلست متكومةً ولم تتفوه بكلمة طيلة ثلاث ساعات ونصف؛ أي طوال رحلة عبور الزورق الصغير البحر بين تركيا وجزيرة ليسفوس اليونانية.
وصل القارب بأمان إلى الشواطئ الأوروبية عند الساعة 08:15 من يوم 29 ديسمبر/كانون الأول وكان في استقباله متطوعون وموظفون في وكالات إغاثة عديدة وفي المفوضية، ساعدوا الركاب على تبديل ملابسهم المبللة وقدموا لهم أكواباً من الشاي وساعدوهم على الصعود على متن حافلة.
وكانت شيرلين أشفار، مسؤولة ميدانية عن الحماية في المفوضية، تعمل في ذلك اليوم.
وتقول شيرلين: "بدت هادئة تماماً لكنني لاحظت أنها في مرحلة متقدمة من الحمل؛ أي في أشهرها الثلاثة الأخيرة".
ولكن هدوء أحلام أخفى مشكلة كبيرة: فقد انقلب الطفل رأساً على عقب وتطلبت ولادته عملية قيصرية. فسرّعت المفوضية عملية تسجيل أحلام لدى السلطات وسرعان ما نقلتها إلى المستشفى، حيث أنجبت طفلة عند الساعة 3:00 بعد الظهر.
وتقول أحلام مشيرةً إلى خدمة رسائل المحمول التي غالباً ما يستخدمها اللاجئون لتبادل المعلومات عبر البلدان والقارات بأن "أول ما أردت القيام به هو إخبار زوجي بأنني وصلت لذا أرسلت له رسالة عبر الواتس آب".

"أرسلت له اليوم صورة لابنتنا المولودة حديثاً".
عدد الأشخاص المهجرين بسبب الحرب والصراع هو حالياً العدد الأكبر الذي تشهده أوروبا الشرقية والوسطى منذ أزمة البلقان في عام 1990.
وأحلام، وسحر والطفلة سمر هم بين أصغر مجموعة من الواصلين الذين يمكنهم القول بأنهم آخر الواصلين بين المليون شخص الذين بلغوا شواطئ أوروبا هذا العام.
وقد ارتفع عدد الأشخاص الذين يعبرون البحر المتوسط باستمرار من حوالي 5,500 شخص في يناير/كانون الثاني، ليبلغ ذروته في شهر أكتوبر/تشرين الأول، مع عبور أكثر من 221,000 شخص.
لكن مع اجتياح الصراع لأجزاء كبيرة من منطقة الشرق الأوسط وسواها، ومع الجهود القليلة المبذولة لتبسيط الوسائل القانونية للوصول إلى أوروبا، تخشى المفوضية أن يجازف المزيد من الأشخاص بالمخاطر نفسها في عام 2016.
وتأمل أحلام أن يتمكن زوجها من الانضمام إليها وإلى ابنتهما الحديثة الولادة في أوروبا في أحد الأيام.
وصرّح المتحدث باسم المفوضية في جزيرة ليسفوس، بوريس شيشركوف، قائلاً: "تدعو المفوضية الاتحاد الأوروبي لتوسيع السبل القانونية ليتمكن اللاجئون من الوصول بأمان بدلاً من تعريض حياتهم للخطر على أيدي مهربين مجردين من الأخلاق ومتاجرين بالبشر. فلمّ شمل العائلة يجب أن يصبح واقعاً للكثير من الأشخاص. وخلال الأعوام الخمسة الماضية، ازداد عدد النازحين بأربعة أضعاف عالمياً، ونحن نشعر بالقلق من احتمال استمرار هذا التزايد".
عينا سمر المفتوحتان تلمعان، وتنظر والدتها إليها بفخر، فقد بات لهما الآن خطة للمستقبل ولكن الرحلة لم تنته بعد.
وتقول أحلام: "أريد أن أستريح لبضعة أيام وأتابع رحلتي بعد ذلك. إن شاء الله سيكون المستقبل أفضل في غياب الحرب".
"في سوريا، من الصعب جداً أن تكبر طفلتي المولودة حديثاً، فلا أمل لديها والحياة تبدأ هنا".