عبء النزوح يثقل كاهل المسنين في سوريا
عبء النزوح يثقل كاهل المسنين في سوريا
دمشق، سوريا، 6 أبريل/نيسان (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) - يتحسر أبو حيدر، الرجل الستيني، على أيام مضت كان يعيشها براحة البال قبل أن ترغمه الحرب على ترك منزله في حي الأنصاري في حلب مع أولاده العشرة ليستبدل مجبراً منزله ذي الغرف الخمس والفسحة السماوية بشقة غير مكسية ذات غرفتين في مركز إيواء تشرين غرب حلب. يقول أبو حيدر: "كنا نعيش حياة رغيدة، لكن الحرب فرقتنا وأجبرتنا على النزوح". ويضيف: "كانت حياتنا مريحة في العمل والمنزل، لكن الراحة هي أكثر ما نفتقده اليوم".
يفتقد أبو حيدر لمنزله أيضاً، فهو بناه بعرق جبينه حجراً حجراً ويتابع: "أحنّ لبيتي كثيراً، لقد بنيته بنفسي من أساساته حتى تمديدات الكهرباء والمياه، والآن لا أعرف شيئاً عن منزلي سوى أنه تعرض للنهب".
يعمل أبو حيدر اليوم في دكان صغير بناه أيضاً بنفسه بعد تجميع بعض الأخشاب والشوادر في ذات مركز الإيواء الذي يقطنه وعائلته: "إن مصاريف الحياة اليومية تتزايد، ولا أستطيع الجلوس وانتظار المساعدة، لذا قررت بناء هذا الدكان الصغير لجني بعض المال ولو كان الدخل بسيطاً ولا يقارن بما كنت أجنيه من عملي السابق في تصنيع الأثاث المنزلي. عملت طوال سنين حياتي كنجار، بدأت بالعمل مذ كان عمري 13 عاماً، وأمضيت السنوات السبع والأربعين الماضية أصنع المفروشات والموبيليا الشرقية التقليدية". أتت الحرب أيضاً على ورشة التصنيع الصغيرة التي يملكها أبو حيدر في حيه القديم، ليضطر اليوم للعمل في مجال مختلف عن عمله الأصلي، والقبول بالقليل الذي يجنيه بعد أن خسر مدخراته خلال سنوات النزوح الأربع التي مضت.
أما جار أبو حيدر في مركز الإيواء، أبو محمود، البالغ من العمر سبعين عاماً، والموظف المتقاعد من شركة الخطوط الحديدية في حلب، فيمضي أيامه دون فعل الكثير كما يقول: "أجلس يومياً أمام البناء الذي أقطنه، أراقب الناس والأطفال، وأوجه الملاحظات لمن يرمي القمامة أو يسيء للمكان، إنها ليست حياة التقاعد التي انتظرتها".
أجبر القتال أبو محمود على النزوح مع زوجته المسنة ثلاث مرات لينتهي به المطاف في مركز إيواء تشرين غرب حلب. يروي أبو محمود كيف تعرض للإصابة بشظية قذيفة هاون في حيه القديم، كرم الميسر، شرق حلب: "كنت متوجهاً لأداء صلاة العصر في الجامع القريب من منزلي عندما سقطت قذيفة هاون فأصبت في قدمي وذراعي، بينما سقط من معي قتيلاً". تمكن أولاد أبو محمود من إسعافه خارج الحي أولاً، ومن ثم نقله إلى بيروت لتلقي العلاج المناسب. وبينما كان يتماثل للشفاء في بيروت، وصله خبر مقتل أحد أولاده في كرم الميسر ليعود بشق الأنفس لدفنه وإجراء مراسم العزاء المناسبة. يستذكر أبو محمود ذلك اليوم الذي اضطر فيه لدفن ابنه على عجل والخروج من الحي تحت جنح الظلام نظراً للقتال الدائر، ويقول: "لقد وقع علينا الخبر كالصاعقة، وكانت رحلة العودة شاقة جداً، فالدخول مجدداً إلى حينا الذي كان يشهد معارك عنيفة في ذلك الوقت لم يكن بالأمر اليسير كالخروج منه." "لقد أخرجتنا الحرب من حياة النعيم والهدوء إلى حياة الجحيم والمشقة"، يختتم أبو محمود حديثه متحسراً على أيام مضت. "كان راتبي التقاعدي يكفيني وزوجتي قبل الحرب، أما الآن فبالكاد نؤمن قوتنا اليومي."
في حين يأمل أبو حيدر بمستقبل أفضل لأحفاده، إلا أنه كما يقول فاته قطار الحياة: "الأمل لأحفادي أن يعيشوا حياة أفضل بسلام واستقرار". يأمل أبو محمود أن يمضي ما تبقى من حياته بهدوء، ويختتم حديثه قائلاً: "جلّ ما أطمح له الآن أن أتمكن من تأمين العلاج لزوجتي المريضة بالسكري، وأن أجتمع وأولادي وأحفادي تحت سقف واحد مجدداً كما في الماضي".
يعتبر مجمع تشرين للأبنية السكنية على الهيكل أحد ثلاثة مجمعات سكنية غير مكتملة تستضيف 27,500 شخص من النازحين داخلياً في حي الحمدانية في مدينة حلب. تقدم مفوضية اللاجئين الخدمات التعليمية والرعاية الصحية للقاطنين في المراكز الثلاثة عبر مركزين مجتمعيين ومستوصف صحي داخل المجمعات السكنية. بالإضافة للمساعدات القانونية، وخدمات الدعم النفسي الاجتماعي، والتدريب المهني، وأنشطة تمكين المرأة. كما موّلت المفوضية عمليات إعادة تأهيل الشقق السكنية غير المكتملة في المجمعات الثلاث والتي تضمنت تركيب الأبواب والنوافذ، والفواصل بين الغرف والشقق السكنية إلى جانب تمديدات المياه والصرف الصحي والكهرباء. ويوزع شركاء المفوضية مواد الإغاثة الأساسية من الفرش والبطانيات ومواد التنظيف على العائلات القاطنة في المجمعات الثلاث. أجبرت الحرب في سوريا 6.6 مليون سوري على النزوح داخل البلاد، ويعتبر المسنون أحد الفئات الأشد ضعفاً من بين 13.5 مليون سوري بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية.
بقلم قصي الأزروني، دمشق