إغلاق sites icon close
Search form

البحث عن موقع البلد

نبذة عن البلد

موقع البلد على الإنترنت

برنامج لترميم المنازل يجلب الراحة للأسر العائدة في بنغازي

قصص

برنامج لترميم المنازل يجلب الراحة للأسر العائدة في بنغازي

يساعد مشروع إعادة التأهيل السكان على العودة إلى ديارهم وإعادة بناء حياتهم في بنغازي، والتي تستضيف أكبر عدد من العائدين والعائلات النازحة بسبب النزاع في شرق ليبيا.
29 أبريل 2022 متوفر أيضاً باللغات:
6267fef83.jpg
جليلة وهي تجوب أرجاء منزلها.

عندما عادت جليلة* لأول مرة إلى أنقاض منزل عائلتها في مدينة بنغازي الواقعة في شرق ليبيا بعد أربع سنوات من اضطرارها للنزوح، كان ما أصابها أكثر من النوافذ الفاغرة والجدران المتهدمة وأكوام الرماد التي كانت يوماً ما ممتلكاتهم، هي ذكريات أحبائها المفقودين والذين ما زالت ذكراهم تملأ أرجاء المنزل.

تقول العاملة في المجال الخيري والبالغة من العمر 47 عاماً: "لم أستطع إدراك نوع الصدمة التي أصابتني عندما رأيته. بعد دخولي، لم أتناول الطعام لمدة ثلاثة أيام وكنت أبكي كلما تذكرت عائلتي".

قبل أن تنقلب حياتها رأساً على عقب، كان تعيش هي وأمها في المنزل الكبير الواقع في حي الصابري، وهو أحد أحياء مدينة بنغازي القديمة التي ولدت فيها جليلة، في الطابق الأرضي، مع اثنين من أشقائها الأكبر سناً واللذين كانا يعيشان معهما في الطابق العلوي. كانت هناك حياة أسرية تدور في فناء مركزي للمنزل تتوسطه نافورة وأشجار مظللة، حيث يلعب الأطفال في فترة ما بعد الظهر بينما يتناول الكبار الشاي.

كل ذلك تغير في عام 2014، عندما عصف قتال عنيف ببنغازي وسط الاضطرابات السياسية التي أعقبت الإطاحة بالزعيم الليبي السابق معمر القذافي عام 2011. وقد تحمل حي الصابري، الذي كان يعيش فيه ما يقرب من 22 ألف أسرة، القدر الأكبر من ضراوة الاشتباكات، مما أجبر معظم السكان على الفرار. ولا تزال آثار الدمار واضحة حتى اليوم، حيث أحجار المباني التي انهارت من القصف، فيما تغطي العديد منها الثقوب التي أحدثها الرصاص.

في كافة أنحاء ليبيا، لا يزال هناك أكثر من 168,000 شخص في عداد النازحين داخلياً نتيجة للعنف وحالة عدم الاستقرار، في حين عاد 673,500 شخص آخرين إلى ديارهم في مناطق غالباً ما تفتقر إلى المأوى اللائق والخدمات الأساسية. وتعد بنغازي من بين أكثر المناطق تضرراً في البلاد، حيث يوجد فيها حوالي 38,000 نازح داخلي و 191,000 عائد.

عندما اندلع العنف، انتقلت جليلة وعائلتها إلى جزء آخر من المدينة للمكوث مع أختها، معتقدة بأن ذلك سيكون مجرد وضع مؤقت. تقول: "لم نأخذ أي حاجيات، وغادرنا وليس بجعبتنا سوى الملابس. لا جوازات سفر، ولا دفاتر العائلة، ولا وثائق شخصية".

لكن مع انتشار العنف، غادرت الأسرة المدينة للانضمام إلى أقاربها في بلدة بتاح، الواقعة على بعد حوالي ساعتين شرقاً على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط​​، ليمضوا فيها الثمانية عشر شهراً المقبلة. وبعد أيام قليلة على مغادرتهم، اتصل بهم بعض الجيران من حي الصابري لإخبارهم أن منزلهم وكل ما بداخله قد تعرض للدمار بسبب حريق أصابه.

تستذكر جليلة قائلة: "انهرت وبكيت، وكأنهم قالوا لي إن أحداً ما قد مات. كان المنزل يحتوي على كل تفاصيل حياتي. كل حاجياتي كانت هناك، وثائقي ... اختفى كل شيء".

6268010d3.jpg
جليلة تصب القهوة بجانب النافورة وسط فناء منزلها الذي أعيد تأهيله.

كان فقدان منزلها مجرد بداية لمعاناة جليلة. فقد عادت الأسرة إلى منزل مستأجر في بنغازي في عام 2016، لكن في شهر يونيو من ذلك العام توفي شقيقها الأكبر، وتبعته والدتها بعد ذلك بوقت قصير، وبعد خمسة أشهر أخوها الآخر، بعدما أصيبوا جميعاً بنوبات قلبية.

وقالت: "ماتت والدتي من الكرب، حيث كانت تريد العودة. أخي الأكبر أيضاً. عندما فقدت والدتي وإخوتي، قلت لنفسي أتمنى لو أنني فقدت المنزل فقط".

بعد عام آخر من النزوح مع أقاربها في أجزاء أخرى من المدينة، اتخذت جليلة في 2018 قراراً بالعودة إلى المكان الوحيد الذي كانت تشعر فيه بالراحة، وقالت: "كنت مصممة على العودة إلى منزل عائلتي".

شرعت في العمل، حيث نظفت الغرف من الركام الذي بداخلها وسخرت القليل من المال الذي كان بحوزتها لشراء الطوب والأسمنت من أجل إعادة بناء الجدران المنهارة. ولكن على الرغم من بذل قصارى جهدها، كان حجم المهمة أكبر من أن تديرها بمفردها.

وصلها الدعم عندما اتصلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وشريكها المجلس النرويجي للاجئين بجليلة، وذلك كجزء من برنامج إعادة تأهيل المأوى، والمصمم لمساعدة بعض من الأشخاص الأكثر ضعفاً في المدينة على العودة إلى منازلهم.

وبعد إجراء عملية تقييم، وصل فريق من العمل لتركيب أنظمة جديدة للسباكة والكهرباء، وتجهيز حمام جديد، وتجديد غرفة المعيشة، واستبدال النوافذ والأبواب، وترميم السقف الذي يتسرب منه الماء.

"هذه مملكتي"

جليلة هي واحدة من أكثر من 130 عائلة في بنغازي ممن استفادت حتى الآن من البرنامج. ومن المقرر أن تتلقى المزيد من العائلات المساعدة هذا العام. بالإضافة إلى تجديد المنازل الفردية، أجرت المفوضية وشركاؤها أيضاً إصلاحات للمدارس والعيادات والمستشفيات التي تضررت أثناء النزاع.

وبينما تتطلب أجزاء كثيرة من المنزل مزيداً من العمل، بما في ذلك الشقة الموجودة في الطابق العلوي حيث تأمل أن تعود إليها عائلة شقيقها الراحل يوماً ما، فإن جليلة تشعر بسعادة غامرة بالعودة إلى منزلها.

تتناول الشاي في فناء منزلها المحبب لها، وتصف إحساساً بالسلام لم تعرفه منذ سنوات: "هذه مملكتي ... أنا سعيدة جداً بها. أشعر كما لو أن عائلتي لا تزال على قيد الحياة، وكأن أرواحهم لا تزال هنا معي".

* تم تغيير الاسم لأغراض تتعلق بالحماية