إغلاق sites icon close
Search form

البحث عن موقع البلد

نبذة عن البلد

موقع البلد على الإنترنت

زعيم قرية كاميروني يفوز بجائزة نانسن للاجئ لعام 2025

قصص

زعيم قرية كاميروني يفوز بجائزة نانسن للاجئ لعام 2025

يجسد الزعيم مارتن أزيا سوديا كرم الضيافة الذي أظهره مجتمع غادو-بادزيري للاجئين من وسط إفريقيا في شرق الكاميرون.
12 ديسمبر 2025 متوفر أيضاً باللغات:
مارتن أزيا سوديا، زعيم قرية غادو-بادزيري في شرق الكاميرون، هو الفائز بجائزة نانسن العالمية للاجئين لعام 2025.

مارتن أزيا سوديا، زعيم قرية غادو-بادزيري في شرق الكاميرون، هو الفائز بجائزة نانسن العالمية للاجئين لعام 2025. 

تستغرق الرحلة بالسيارة من ياوندي، عاصمة الكاميرون، إلى قرية غادو-بادزيري في أقصى شرق البلاد، أكثر من عشر ساعات. للوهلة الأولى، تبدو هذه القرية الريفية القريبة من الحدود مع جمهورية إفريقيا الوسطى عادية، لكن بين بيوتها المتواضعة وحقولها ذات التربة الحمراء، تكمن أجواء من كرم الضيافة الاستثنائية التي غيّرت حياة الكثيرين.

وُلد مارتن أزيا سوديا، الزعيم الحالي لقرية غادو-بادزيري، في المنزل الذي لا يزال يُستخدم كمقر لإقامته. يخفي هذا اللقب الرفيع سلطة هادئة وطبيعة رقيقة لرجلٍ يشعر بالراحة التامة في العمل في الحقول مرتدياً أحذية مطاطية، كما يشعر بالراحة في ترؤس الاجتماعات مرتدياً لباسه الاحتفالي المزخرف.

خلال طفولته، شاهد الزعيم سوديا والده وهو يحلّ النزاعات، ويرحب بالزوار، ويعمل بجدّ للحفاظ على وحدة القرية. ويتذكر منزلاً كانت أبوابه مفتوحة دائماً، حيث كان يجد كل من يحتاج إلى مقعد على مائدة الطعام مكاناً له.

ويستذكر الزعيم سوديا، قائلاً: "هنا، تعلمت ألا أسيء لأحد، وألا أرفض المساعدة أبداً. لقد ربانا والداي على التواضع والانفتاح. كان هناك دائماً طعام للجميع".

بعد إتمام دراسته، انضم إلى قوات الدرك، حيث خدم لمدة 33 عاماً قبل تقاعده. واشتملت مسيرته المهنية التدريب على إدارة الأزمات والعمل كجندي من جنود حفظ سلام التابعين للأمم المتحدة في جمهورية إفريقيا الوسطى، وهو دورٌ عمّق فهمه للصراع والنزوح القسري وضرورة حماية المدنيين.

في عام 2014، ومع احتدام الصراع المسلح في جمهورية إفريقيا الوسطى، عبر آلاف اللاجئين الحدود بحثاً عن الأمان في الكاميرون المجاورة. في ذلك الوقت، كان عدد سكان غادو-بادزيري يزيد قليلاً عن 12,000 نسمة، لكن المجتمع لم يتردد في استضافة ما يصل إلى 36,000 لاجئ. وبعد مرور أحد عشر عاماً، يتفق زعيم القرية وجميع سكانها على أن استقبالهم كان الخيار الصائب.

وقال سوديا: "كان اللاجئون الأوائل الذين وصلوا إلى هنا جائعين بعد رحلة طويلة في ظروف قاسية. ما زلت أتذكر صرخات الأطفال والأمهات المنهكات اللواتي لم يعدن قادرات على حمل أطفالهن".

الزعيم سوديا يترأس اجتماعاً لسكان محليين ولاجئين من قرية غادو-بادزيري في شرق الكاميرون.

الزعيم سوديا يترأس اجتماعاً لسكان محليين ولاجئين من قرية غادو-بادزيري في شرق الكاميرون.

بالنسبة للزعيم والشيوخ والمجتمع بأسره، كانت الأولوية القصوى تتمثل في حماية الأرواح. لم يكن الأمر يتعلق بالصدقة أو الواجب فحسب، بل بشعور عميق بالمسؤولية الأخلاقية ورغبة في الحفاظ على تقاليدهم.

تجاوزت الضيافة مجرد إقامة مكان لإيواء العائلات وتوزيع المأوى والطعام. في غادو-بادزيري، كانت الضيافة تعني التعايش الكامل، وذلك حسبما عبّر عنه الزعيم سوديا، قائلاً: "منذ البداية، لم يكن عزل اللاجئين خياراً مطروحاً. قررنا أنه من الواجب أن يعيشوا بيننا، وأن يتنقلوا بحرية في القرية... وأن ندخل نحن أيضاً إلى مكان إقامتهم متى شئنا. لا تمييز، لا حواجز".

تقديراً للتضامن العميق الذي أبداه هو ومجتمعه تجاه اللاجئين، فقد تم منح الزعيم مارتن آزيا سوديا جائزة نانسن العالمية للاجئ لعام 2025. تُمنح هذه الجائزة المرموقة في كل عام، وتُكرّم أولئك الذين يبذلون جهوداً استثنائية لمساعدة النازحين قسراً أو عديمي الجنسية. إلى جانب الفائز العالمي لهذا العام، سيتم تكريم أربعة فائزين إقليميين في حفل توزيع الجوائز في جنيف يوم 16 ديسمبر.

التعليم والصحة: ​​رموز الترحيب

تُعدّ المدرسة الابتدائية التي درس فيها الزعيم سوديا اليوم من أبرز رموز دمج اللاجئين. ما يقارب 65% من طلابها لاجئون من جمهورية إفريقيا الوسطى. في أحد الفصول الدراسية للصف الأول، يتشارك 154 تلميذاً مساحة مصممة لثلث هذا العدد. ومع ذلك، لا يوجد أي تمييز بين الأطفال المحليين واللاجئين - فهم يتعلمون ويلعبون وينشؤون معاً.

بالنسبة لجاكلين آيسينغا، وهي معلمة الصف الأول في المدرسة، فإن تعليم هؤلاء الأطفال ليس مجرد وظيفة، بل هو مسؤولية تجاه المجتمع بأكمله. وأوضحت قائلة: "يقع على عاتقنا تزويدهم بالأسس المتينة. عندما أدخل إلى الصف، أعلم أنني أبني مستقبل القرية بأكملها".

على الرغم من اكتظاظ فصلها الدراسي والتحديات الأخرى، فإن التزامها تجاه كل طفل ثابت لا يتزعزع: "أريد أن أرى هؤلاء الأطفال يكبرون دون أسلحة في أيديهم. أريدهم أن ينجحوا، وأن يصبحوا قادة ومواطنين يتحلون بالمسؤولية".

جاكلين أيسينغا خلال تدريسها أحد الفصول من طلاب الصف الأول الابتدائي من السكان المحليين واللاجئين في مدرسة غادو-بادزيري الابتدائية.

جاكلين أيسينغا خلال تدريسها أحد الفصول من طلاب الصف الأول الابتدائي من السكان المحليين واللاجئين في مدرسة غادو-بادزيري الابتدائية.

في مقصف المدرسة القريبة، تطبخ نظيرة بيلاجي، البالغة من العمر 52 عاماً، وهي أم لسبعة أطفال، جنباً إلى جنب مع نساء أخريات من القرية. وبينما يغلي البيض في قدور كبيرة على النار، يملأ الضحك المكان وهنّ يُحضّرن غداء التلاميذ، بحركات متناسقة ومألوفة. في خضمّ صخب المطبخ، يتلاشى التمييز بين اللاجئين والسكان المحليين.

وصلت نظيرة من بانغي عام 2014، ولا تزال تتذكر بوضوح لحظاتها الأولى في غادو-بادزيري، حيث قالت: "عندما وصلنا، كنا متعبين وضائعين. لكن الكاميرون رحّبت بنا. وفّرت لنا الحكومة والزعماء مكاناً للنوم، وطعاماً، ورعاية. لن أنسى ذلك أبداً".

بعد أحد عشر عاماً، نشأ أطفالها هنا - بعضهم وُلدوا في القرية. ستة منهم لا يزالون يرتادون المدرسة المحلية. طموحها الوحيد، كما تقول، هو أن تُؤمّن لهم مستقبلاً أفضل. وبينما تعمل جنباً إلى جنب مع النساء الأخريات، تعكس ابتسامتها السهلة حقيقة أعمق - لم يعد غادو-بادزيري مجرد مكان للجوء، بل أصبح موطناً.

موظفو مقصف مدرسة غادو-بادزيري الابتدائية يوزعون وجبات الغداء على التلاميذ.

موظفو مقصف مدرسة غادو-بادزيري الابتدائية يوزعون وجبات الغداء على التلاميذ.

على بُعد بضع مئات من الأمتار من قصر الزعيم، يستقبل المركز الصحي المحلي فيضاً منتظماً من المرضى يومياً. في غرفة الانتظار، تمتزج الأحاديث بلغات السانغو والفرنسية والغبايا، ما يعكس التغطية الصحية الشاملة التي يستفيد منها الكاميرونيون واللاجئون على حد سواء.

إذا كانت غادو-بادزيري مثالاً ساطعاً على الترحيب الذي يُقدم للاجئين، فهي جزء من التزام وطني أوسع بإدماج اللاجئين، والذي تجلى في تعهدات الكاميرون في المنتديات العالمية للاجئين عامي 2019 و2023. يهدف هذا النهج الحكومي الشامل إلى توسيع نطاق وصول اللاجئين إلى الخدمات الاجتماعية، وتعزيز الاعتماد على الذات، ودعم الاندماج المحلي، والتحول من الاستجابة الإنسانية إلى أجندة تنموية طويلة الأجل.

تعزيز الاعتماد على الذات

منذ وصول لاجئي وسط إفريقيا، تلقت قرية غادو-بادزيري دعماً من المفوضية، ومنظمات غير حكومية، ومنظمات دولية أخرى، شمل الغذاء والمأوى وخدمات الصرف الصحي. إلا أن المساعدات الإنسانية تضاءلت مع مرور الوقت، وأصبحت عمليات توزيع الغذاء - والتي كانت منتظمة - متقطعة وغير كافية. ونتيجة لذلك، اضطر زعيم القرية وسكانها إلى إيجاد سبل لتمكين اللاجئين من إعالة أنفسهم.

يقول الزعيم سوديا: "كرامة الأسرة تعتمد على قدرتها على إطعام نفسها. عندما بدأت المساعدات بالتراجع، كان علينا إيجاد الحلول. وفرتُ أرضاً لنزرعها معاً. المحاصيل - أوراق الكسافا، والدرنات، والذرة - تساعد الأسر بأكملها على البقاء".

تم بالإجمال توفير حوالي 66 هكتاراً للاجئين للزراعة. وإلى جانب تعزيز اعتمادهم على الذات من خلال إنتاج غذائهم وبيع الفائض في السوق المحلية لكسب مصدر للدخل، عززت هذه الخطوة أيضاً الروابط الاجتماعية بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة، مما شجع على الدعم المتبادل والمقايضة.

الزعيم سوديا (في الوسط) يساعد في إزالة الأعشاب الضارة من حقل مخصص للاجئين من جمهورية إفريقيا الوسطى في قرية غادو بادزيري، شرق الكاميرون.

الزعيم سوديا (في الوسط) يساعد في إزالة الأعشاب الضارة من حقل مخصص للاجئين من جمهورية إفريقيا الوسطى في قرية غادو بادزيري، شرق الكاميرون.

يقول الزعيم سوديا إن مشاركة الأرض مع اللاجئين كانت الخيار الأمثل، إذ توفر لهم استقراراً طويل الأمد، تماماً كما هو الحال مع إدماجهم في خدمات التعليم والرعاية الصحية. ويضيف: "الأرض لن تختفي. لقد كانت هنا منذ أجدادنا وستبقى بعدنا. فلماذا نحتفظ بها لأنفسنا؟". ويتابع، قائلاً: "نعلم أن اللاجئين لن يبقوا إلى الأبد. لذا من الأفضل أن ندعهم يزرعون الأرض، ويؤمنون قوتهم، ويعيدون بناء حياتهم".

ويُعدّ حل النزاعات سلمياً ركناً أساسياً آخر في نهج غادو بادزيري. وللحفاظ على التماسك، يجتمع مجلس أسبوعي يضم الزعيم وشيوخه وممثلي اللاجئين. ويعالجون معاً التوترات، ويحددون مصادر النزاع المحتملة، ويبحثون عن حلول فورية لمنع تصعيدها.

وأوضح الزعيم، قائلاً: "أنشأنا لجاناً مشتركة. كلما ظهرت مشكلة، يأتي إلينا رئيس القطاع لنعمل معاً على حلها. منذ وصول اللاجئين عام 2014، لم نضطر أبداً للجوء إلى المحكمة".

وداعٌ ممزوجٌ بالفرح والحزن

عندما يختار بعض اللاجئين من وسط إفريقيا العودة إلى ديارهم، مستفيدين من التحسن التدريجي في الوضع الأمني ​​في بلادهم، يُقرّ الزعيم بأن هذه اللحظة قد تكون ممزوجةً بالفرح والحزن: "يؤلمني ذلك. في كل مرة، نشعر بحزنٍ عميقٍ لرؤية أشخاصٍ يغادرون بعد أن كانوا جزءًا لا يتجزأ من مجتمعنا لأكثر من عقدٍ من الزمان".

لكن طالما أن عودتهم طوعية وآمنة، فهو يتفهم شوقهم إلى الوطن: "لقد عانوا بالفعل. آمل أن يعودوا إلى سلامٍ حقيقي، حتى لا يمروا بالفظائع مرةً أخرى".

الزعيم سوديا يعانق أحد اللاجئين المقيمين في قرية غادو-بادزيري في حقلٍ قرب القرية.

الزعيم سوديا يعانق أحد اللاجئين المقيمين في قرية غادو-بادزيري في حقلٍ قرب القرية.

أعرب الزعيم سوديا عن سعادته بتلاشي الخط الفاصل بين "هم" و"نحن" تدريجياً، قائلاً: "يتحدث أطفالنا اليوم لغتي سانغو وغبايا، ونعيش معاً"، مشيراً إلى اللغتين الرئيسيتين اللتين يتحدث بهما اللاجئون من جمهورية إفريقيا الوسطى ومضيفوهم الكاميرونيون على التوالي.

ورغم الدور المحوري الذي لعبته قيادته ونموذجه في استقبال واستضافة غادو-بادزيري لعشرات الآلاف من اللاجئين، فإن فخر الزعيم سوديا الأكبر يكمن في تكاتف المجتمع بأكمله وإظهار ما يمكن تحقيقه بالعقول والقلوب المنفتحة.

واختتم حديثه قائلاً: "إنه لمن دواعي فخري أن غادو-بادزيري باتت معروفة عالمياً. غادو تمثل إفريقيا، وتمثل الكاميرون. لم يكن استقبال اللاجئين بالأمر السهل. لم يكن شيئاً يُتوقع من الجميع القيام به. لكننا كنا نملك الرغبة في ذلك، وأشكر أهل غادو مرة أخرى على قبولهم هذا الأمر".