المفوضية تنظم أول قافلة للعودة الطوعية من مخيمات شمال شرق سوريا
المفوضية تنظم أول قافلة للعودة الطوعية من مخيمات شمال شرق سوريا

شهرزاد (يسار) وابنتها الصغرى على متن حافلة صغيرة تقلهما من مخيم العريشة إلى منزلهما في الميادين بمحافظة دير الزور.
في صباح أحد الأيام في مخيم العريشة للنازحين داخلياً في شمال شرق سوريا، كانت المنطقة المفتوحة قرب المدخل تعجّ بمجموعات من الناس يحملون أمتعتهم في الشاحنات ويودعون بعضهم البعض. كان البعض يضحك بينما بكى آخرون فرحاً، ليصعد 84 من السكان على متن حافلات صغيرة تقلهم أخيراً إلى ديارهم بعد أكثر من سبع سنوات في المخيم.
كانت شهرزاد وابنتاها (7 و8 سنوات)، من بين أول مجموعة عادت إلى ديارها في 15 أبريل بمساعدة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. انتظرت الفتاتان بفارغ الصبر بينما كانت والدتهما تُكمل الإجراءات الرسمية قبل بدء رحلة العودة إلى مدينة الميادين في محافظة دير الزور، على بُعد حوالي 200 كيلومتر جنوباً، حيث سيلتقون بوالدهما الذي أمضى الشهرين الماضيين في دمشق لتلقي العلاج الطبي.
وقالت شهرزاد: "أتمنى أن يشعر الجميع بنفس الفرح الذي أشعر به اليوم. لقد انتظرت هذه اللحظة منذ سبع سنوات. لم يعد هناك ما نخشاه الآن، كالنظام وغيره".
فرت شهرزاد من هجوم عسكري واسع قرب مسقط رأسها عام 2017، ووصلت إلى المخيم مع زوجها وابنتها الكبرى، التي كانت لا تزال رضيعة. وُلدت ابنتها الصغرى في المخيم، ولا تحتفظ أيٌّ منهما بأي ذكريات عن المكان الذي يعتبره والداها موطنهما.
وقالت شهرزاد: "لا تزال ابنتاي تتخيلان كل ما يردن فعله بمجرد عودتنا إلى الديار. كانتا في غاية السعادة عند حزم أمتعتهما. تضاعفت فرحتي عندما رأيت طفلتي سعيدتين بالعودة إلى المنزل".
أتاح سقوط حكومة الأسد في ديسمبر 2024 إمكانية العودة إلى الديار لأكثر من 7 ملايين سوري ممن لا يزالون في عداد النازحين داخل البلاد بعد 14 عاماً من الصراع والأزمة، بالإضافة إلى حوالي 5.5 مليون لاجئ سوري لا يزالون في دول الجوار.
يعيش ما يُقدر بنحو 214 ألف نازح داخلي في مخيمات مثل العريشة ومواقع غير رسمية في جميع أنحاء شمال شرق سوريا. وقد عانى معظمهم من نزوح مطول ومتكرر في كثير من الأحيان منذ بداية الصراع، حيث قضوا في المتوسط تسع سنوات بعيداً عن ديارهم. تتحدر الأغلبية من مناطق أخرى في شمال شرق سوريا، حيث 41% من الأسر من محافظة دير الزور، بينما يتحدر آخرون من محافظتي حماة وحمص.
وأوضح مارسيل كولون، رئيس المكتب الفرعي للمفوضية في القامشلي: "خلال تواصلنا المنتظم، طلب النازحون السوريون المقيمون في مخيم العريشة من المفوضية دعم نقلهم للعودة إلى ديارهم نظراً لارتفاع التكلفة، والتي تصل إلى حوالي 500 دولار للأسرة الواحدة. ومن خلال الدعم الذي نقدمه، تحصل كل عائلة على شاحنة لتحميل أمتعتها الشخصية، وهو أمر بالغ الأهمية لمساعدتهم على العودة إلى سابق حياتهم في منازلهم".
بالإضافة إلى توفير وسائل النقل، تدعم المفوضية وشركاؤها، الهلال الأحمر العربي السوري، وهيئة مار أفرام السرياني البطريركية للتنمية، العائلات العائدة طوال العملية، وتواصل مراقبة أوضاعهم فور عودتهم. كما توفر مؤسسة سوريا اليمامة، شريكة صندوق الأمم المتحدة للسكان، الفوط للنساء والفتيات.

شاحنات محملة بأمتعة السكان السابقين تغادر مخيم العريشة في شمال شرق سوريا.
أخبر العائدون المفوضية أن المناطق المحيطة بدير الزور مليئة بالألغام غير المنفجرة، وأن بعض الآباء في مخيم العريشة أجّلوا العودة خوفاً على أطفالهم. وتُعدّ جلسات التوعية بالألغام، المُنظّمة خصيصاً للأطفال في المراكز المجتمعية التابعة للمفوضية، فعّالة في منع الحوادث. كما تُقدّم هذه المراكز خدمات حيوية في مناطق العودة، مثل الاستشارات القانونية لمن فقدوا وثائق الهوية والممتلكات أو وثائق الملكية.
كما تُساعد المفوضية في ترميم المساكن، وتحسين سبل الوصول إلى الخدمات الأساسية كالمياه والرعاية الصحية والكهرباء، وتعزيز فرص العمل وسبل العيش، وهي المتطلبات الرئيسية التي أشار إليها العائدون لمساعدتهم على العودة إلى حياتهم السابقة. وقد نقلت بعض العائلات، بما في ذلك عائلة شهرزاد، الخيمة التي كانوا يعيشون فيها من المخيم ونصبتها بالقرب من منازلهم ريثما تُجري الإصلاحات الضرورية.
وأوضحت شهرزاد: "لولا الدعم، لما كنا قادرين على دفع تكاليف المواصلات، وهي مُكلفة للغاية. منزلي لا يزال موجوداً ولكنه مُدمّر، لذلك لا يُمكننا العيش فيه الآن. كما أن الخدمات الأساسية معدومة".

أحد موظفي المفوضية يقدم معلومات لمجموعة من النازحين داخلياً في مخيم العريشة، شمال شرق سوريا.
في حين وضعت المفوضية خططاً لمساعدة نحو 3.5 مليون لاجئ ونازح سوري من المتوقع عودتهم إلى ديارهم في عام 2025 - بمن فيهم ما يقرب من 1.5 مليون شخص ممن عادوا بالفعل - فقد تأثرت جهودها بشدة بالخفض الحاد في التمويل الإنساني العالمي. وستضطر المفوضية إلى خفض 30% من قوتها العاملة في سوريا هذا العام وإغلاق 44% من المراكز المجتمعية التي تدعمها في جميع أنحاء البلاد.
وصرح ريتشارد نداولا، منسق المفوضية لعودة اللاجئين السوريين، قائلاً: "هذه لحظة ينتظرها اللاجئون والنازحون السوريون منذ سنوات، ولدينا الآن فرصة فريدة لمساعدتهم على العودة إلى ديارهم. إن تهيئة الظروف للعودة الطوعية للنازحين هي جوهر مهمة المفوضية".
وأضاف نداولا: "نحن ملتزمون تماماً بدعم جميع الراغبين في العودة إلى ديارهم، لكن خفض التمويل يؤثر على قدرتنا على الاستجابة. يتمتع موظفونا بخبرة طويلة في دعم العائدين، ولكن لا يمكننا توسيع هذا الدعم إلى مخيمات وتجمعات النازحين الأخرى في شمال شرق سوريا وخارجها إلا إذا كانت لدينا الموارد الكافية".