عدد السوريين العائدين إلى ديارهم يصل إلى نصف المليون
عدد السوريين العائدين إلى ديارهم يصل إلى نصف المليون
يبلغ جاسم من العمر أكثر من مائة عام، وقد كان شاهداً على تغيراتٍ جذرية مرت بها سوريا، لكنه لم يتوقع أن يعيش رعب الصراع والألم الذي حاق بوطنه. في عام 2013، وبينما كانت قريته غارقة بالقتال قرب مدينة القصير غرب سوريا، سقطت قذيفة قرب منزله، مما أسفر عن مقتل ثلاثة من أولاده.
وقال بصوتٍ أجشّ لتقدمه في السن: "أتذكرهم كل يوم وأبكي عليهم. تُربي أطفالك على أمل رؤيتهم... وملء منزلك بالحياة. لكنهم رحلوا الآن".
اضطر جاسم - الذي تُشير هويته إلى أنه يبلغ من العمر 103 أعوام – للفرار من سوريا إلى لبنان مع عائلته الناجية، بمن فيهم أبناؤه وأحفاده من زواجه الأول، وزوجته الثانية وأولادهما. التمسوا الأمان في مخيم عشوائي قرب مدينة بعلبك في وادي البقاع اللبناني، لكن حياة اللجوء كانت قاسية. فقد كان الشتاء قارس البرودة، والصيف حاراً لدرجة لا تُطاق، وكانت العائلة تكافح لدفع إيجار قطعة الأرض التي نصبت عليها خيمتهم العائلية، والبالغ 75 دولاراً شهرياً.
مع استمرار الأزمة السورية لما يقرب من 14 عاماً، كانت طبيعة الحياة غير المستقرة الخيار الوحيد المتاح أمام جاسم وعائلته. لكن كل ذلك تغير في ديسمبر 2024 مع الإطاحة بنظام الأسد، مما أتاح لجاسم فرصة التخطيط للعودة إلى الوطن، وهو ما كان يخشى ألا تأتي أبداً. لكن العائلة عادت أخيراً إلى قريتها "النهرية" في نهاية أبريل.
وقال جاسم وهو يقبّل يده ويضعها على رأسه: "لم يكن هناك أمان هنا من قبل حتى نعود، لكن الحمد لله، أصبح موجوداً الآن. لذلك فقد عدنا. الآن ننام بسلام، مطمئنين أن أحداً لن يهاجمنا".

جاسم (وسط الصورة) يجلس مع أجيال عديدة من عائلته في الخيمة التي نصبوها في موقع منزلهم المدمر.
في 15 مايو، تجاوز عدد السوريين العائدين إلى البلاد منذ سقوط الحكومة السابقة نصف مليون لاجئ، بمعدل 100 ألف عائد شهرياً. ورغم الشعور الملموس بالأمل لدى العائدين، إلا أن التحديات التي تواجههم – وتواجه البلاد ككل - لا تزال هائلة.
لقد دمرت سنوات من الصراع والأزمات الاقتصاد السوري، لتترك المنازل والبنية التحتية في حالة من الخراب، بينما لا يزال الوضع الأمني في بعض المناطق هشاً، وهو أمر مهم بالنسبة للاجئين العائدين من أجل العيش في مكان آمن والبحث عن فرص العمل لكسب قوتهم، وتسجيل أطفالهم في المدارس أو الحصول على الرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية.
كان هذا واقعاً مشابهاً لما وجده جاسم وعائلته عندما عادوا إلى قريتهم قبل عدة أسابيع، حيث قال: "عندما عدنا، وجدنا منزلنا مدمراً. شعرت وكأنني أبدأ من الصفر". لمدة يومين، قام هو وعائلته بإزالة الأنقاض قبل نصب الخيمة نفسها التي سكنوا فيها خلال فترة وجودهم في لبنان، ولكن هذه المرة وسط أنقاض منزلهم السابق.
تعمل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مع السلطات وشركاء آخرين لمساعدة اللاجئين السوريين والنازحين داخلياً العائدين إلى مناطقهم الأصلية. ويشمل ذلك المساعدة في إعادة تأهيل وإصلاح المنازل المتضررة، وتقديم الدعم القانوني لاستبدال وثائق الهوية والممتلكات المفقودة، وإطلاق مبادرات لمساعدة الأشخاص على كسب عيشهم.
لكن مع تجاوز عدد السوريين العائدين من الدول المجاورة 500,000 لاجئ، بالإضافة إلى حوالي 1.2 مليون نازح داخلي ممن عادوا إلى ديارهم خلال الأشهر الخمسة الماضية، فإن قدرة المفوضية على مساعدة جميع المحتاجين محدودة، وذلك نظراً للخفض الحاد في تمويل المساعدات الإنسانية، مما يهدد مستقبل تعافي واستقرار سوريا وشعبها.
وقال أحمد الحسين، وهو مختار قرية النهرية وقريتين مجاورتين، أن 1,200 عائلة عادت إلى المنطقة منذ ديسمبر.
وأضاف: "نتحدث عن أكثر من 10,000 شخص في ثلاث قرى صغيرة، والاحتياجات هائلة. المنازل والمدارس مدمرة ولا يوجد مركز صحي، ولا صيدلية، ولا طبيب. يساعدنا المركز المجتمعي التابع للمفوضية، الذي يبعد 5 كيلومترات، كثيراً في تلبية احتياجاتنا. كما وفرت المفوضية مصابيح شوارع تعمل بالطاقة الشمسية وأعادت تأهيل 65 منزلاً".
وقالت لجين حسن، وهي مسؤولة الحماية في مكتب المفوضية في سوريا: "يقترب عدد العائدين إلى سوريا من 500,000 شخص. إنهم يبدؤون حياتهم من الصفر وهم بحاجة ماسة إلى دعمنا. إن إعادة دمج هؤلاء العائدين في مجتمعاتهم يعتبر حاجة ماسة الآن... [لكن] التحدي الرئيسي والأساسي يكمن في نقص التمويل".

جاسم يتحدث مع لجين حسن، مسؤولة الحماية في مكتب المفوضية، خارج خيمته في قرية النهرية، محافظة حمص، سوريا.
مع ذلك، ورغم التحديات الكثيرة، ذكرت لجين أن الشعور الطاغي الذي ينتابها عند التحدث إلى العائلات العائدة إلى ديارها بعد سنوات طويلة هو شعور بالتفاؤل.
وقالت: "عندما تقابل العائدين، ترى الأمل في عيونهم. إنهم يريدون إعادة بناء ليس منازلهم فحسب، بل البلد بأكمله. لقد حان الوقت حقاً للاستثمار، ومحاولة دعم هؤلاء الناس لبناء حياة جديدة".
بالنسبة لجاسم - والذي أصبح مؤخراً جدّاً لأحفاد أحفاده – فإنه على الرغم من الحزن والاضطرابات التي مر بها في سنواته الأخيرة، فإنه سعيد لأنه قاد عائلته الآن إلى حيث تنتمي. وقال بصوت متصاعد: "وطنكم غالي. هذه أرضنا، بلدنا، روحنا. وُلدتُ هنا، ونشأتُ هنا... وسأموت هنا".