كيف توفر المفوضية الحماية للأشخاص المجبرين على الفرار؟
كيف توفر المفوضية الحماية للأشخاص المجبرين على الفرار؟

اللاجئة السودانية خديجة محمد علي، 72 عاماً، تتلقى المساعدة من موظفي المفوضية في موقع مادجيجيلتا في منطقة أوداي في تشاد، على الحدود مع السودان.
عادةً ما يلجأ الأشخاص إلى حكوماتهم من أجل حمايتهم وضمان حقوقهم، ولكن عندما تندلع حرب بها، أو يتفاقم العنف أو تكثر الانتهاكات، فقد لا يكون أمامهم خيار سوى البحث عن الأمان والحماية في مكان آخر.
بموجب القانون الدولي، يُعتبر الأشخاص الذين يُجبرون على الفرار من النزاعات أو العنف أو الاضطهاد، والذين يلتمسون الأمان في بلد آخر، من اللاجئين. إنهم يختلفون عن المهاجرين في أنهم لا يستطيعون العودة إلى بلدانهم دون المخاطرة بالتعرض لأذى جسيم، أو حتى الموت. فالبلد الذي يفرون إليه مسؤول عن حمايتهم.
إن استضافة أعداد كبيرة من اللاجئين قد تُشكل ضغطاً هائلاً على الحكومات والمجتمعات، لا سيما في البلدان التي تفتقر إلى أنظمة لجوء عادلة وفعّالة للاعتراف بهم، أو إلى الموارد اللازمة لمساعدتهم. وهنا يأتي الدور الحيوي الذي يضطلع به الدعم الذي تقدمه المفوضية، حيث دأبت على مساعدة الحكومات على حماية حقوق ورفاه الأشخاص المجبرين على الفرار منذ إنشائها قبل 75 عاماً.
وبناءً على خبرتنا الطويلة ومعرفتنا الواسعة في مجال حماية اللاجئين حول العالم، حصلت المفوضية أيضاً على تفويض من الحكومات لحماية النازحين داخل بلدانهم، وأولئك الأشخاص من عديمي الجنسية، وإيجاد حلول لهم.
أين تبدأ الحماية؟
تبدأ الحماية عندما يصل اللاجئون إلى الحدود خوفاً على حياتهم وحريتهم. بموجب القانون الدولي، فإن لهم الحق في طلب الأمان في بلد آخر، وعدم رفض دخولهم أو احتجازهم أو إعادتهم إلى مكان قد يتعرضون فيه للأذى.
عند اندلاع أزمة ما، تكون سلطات الدولة والمفوضية وشركاؤها على الحدود لضمان وصول الناس إلى مكان آمن، ونطلب من السلطات قبول اللاجئين واحترام حقوقهم. كما نساعد في التحقق من هويات الوافدين الجدد وتسجيلهم بهدف إصدار وثائق تُمكّنهم من إثبات وضعهم والحصول على الدعم اللازم. ويساعد وجودنا على الحدود الحكومات على إدارة حدودها ومنع انتشار الأزمات.

امرأة شابة من أوكرانيا تحمل طفلها الرضيع وطفلها الصغير عبر الحدود إلى هنغاريا في 27 فبراير 2022.
بعد ضمان السلامة الجسدية للاجئين، تأتي تلبية احتياجاتهم العاجلة من الغذاء والمأوى والرعاية الصحية في مقدمة الأولويات.
يوضح باتريك إيبا، نائب مدير قسم الحماية الدولية في المفوضية، قائلاً: " إن الحماية تعني - في المقام الأول والأخير - منح اللاجئين إمكانية الوصول إلى أراضٍ آمنة. كما أنها تشمل ضمان استفادتهم من تلك الأساسيات التي نحتاجها جميعاً كبشر". ويضيف: "إن ضمان حصول اللاجئين على الغذاء والمأوى والرعاية الصحية مسألة حياة أو موت".
كيف تحمي المفوضية الفئات الأكثر ضعفاً؟
يُعد كل من يُجبر على الفرار من منزله وترك عائلته وممتلكاته ووظائفه ومدارسه وكل ما اعتاد عليه عرضة للخطر. لكن بعض فئات اللاجئين والنازحين داخلياً معرضة لخطر أكبر وتحتاج إلى الحماية.
يحتاج الأطفال الذين واجهوا العنف أو الإيذاء أو الاستغلال أو الاتجار إلى مساعدة وحماية خاصتين، لاسيما أولئك الذين انفصلوا عن عائلاتهم خلال فوضى الصراعات والنزوح. وتعمل المفوضية مع السلطات الوطنية والمنظمات الأخرى لضمان رعايتهم أثناء البحث عن عائلاتهم. في عام 2024، على سبيل المثال، دعمنا السلطات في إسبانيا لتوفير الرعاية والدعم لنحو 6,000 طفل ممن وصلوا بحراً إلى جزر الكناري دون آبائهم أو أولياء أمورهم.
لا تقتصر المدارس على توفير التعليم فحسب، بل توفر أيضاً بيئة آمنة ومستقرة للأطفال والشباب المجبرين على الفرار، وتحميهم من الاستغلال والزواج المبكر وعمالة الأطفال. وتدعو المفوضية إلى إدماج الأطفال اللاجئين في أنظمة التعليم الوطنية، وتقدم بالتعاون مع شركائها الدعم للمدارس التي تضم طلاباً من اللاجئين، وذلك من خلال توفير تدريب المعلمين، واللوازم التعليمية، والمساعدة في إصلاح أو توسيع المباني.

اللاجئ السوري محمد حسن، 13 عاماً، والذي يعاني من صعوبات في السمع والنطق، يتلقى تعليماً خاصاً من أحد الأخصائيين في مخيم الزعتري بالأردن.
من الفئات الأخرى المعرضة للخطر بشكل خاص والتي تحتاج إلى خدمات خاصة بعد إجبارها على الفرار هي ذوو الإعاقة، وكبار السن، والأقليات، والناجين من العنف الجنسي والصدمات النفسية والاتجار بالبشر.
تعمل المفوضية مع شركائها المحليين، وخاصة المنظمات التي تقودها النساء واللاجئون، لدعم الناجين من الانتهاكات الجنسية وحمايتهم من المزيد من الأذى. ونوفر أماكن آمنة للنساء والفتيات النازحات حيث يمكنهن التغلب على الصدمات النفسية، والتواصل مع نساء أخريات، وتعلم مهارات لتحسين مستوى حياتهن. وحيثما يتوفر التمويل، ندير برامج للحد من العنف ضد المرأة، بما في ذلك من خلال عقد جلسات مع الرجال والفتيان تهدف إلى تحدي السلوكيات والمعتقدات الضارة.
كيف تعمل المفوضية على إيجاد حلول طويلة الأمد للأشخاص المجبرين على الفرار؟
من المؤمّل أنه عندما تكون الظروف آمنة بما فيه الكفاية، سيتمكن المهجرون من العودة إلى بلدانهم أو أماكنهم الأصلية. تراقب المفوضية الأوضاع وتساعد الأشخاص على تحديد متى يكون من الآمن لهم العودة، وغالباً من خلال توفير معلومات عن مناطقهم الأصلية أو تسهيل زيارات أفراد الأسرة للتحقق من الأوضاع بأنفسهم. مع ذلك، يجب أن يكون القرار قرارهم، ولا ينبغي إجبار أي شخص على العودة رغماً عنه. لقد ساعدنا ملايين اللاجئين على العودة إلى أوطانهم، منهم 1.1 مليون لاجئ في عام 2023 وحده. كما يتلقى بعض اللاجئين مساعدة من المفوضية لإعادة توطينهم في دول أخرى وافقت على استقبالهم. ورغم أن إعادة التوطين متاحة لعدد محدود فقط، إلا أنها من الحلول طويلة الأمد ويمكنها إنقاذ حياة اللاجئين وتمكينهم من بدء حياة جديدة.

بدعم دعم من المفوضية وشريكتها منظمة HIAS، تمكن خوسيه سانشيز، الذي فر من فنزويلا قبل ست سنوات، من فتح صالون حلاقة صغير في مدينة تولكان الإكوادورية.
ولكن طالما لم يتمكن اللاجئون من العودة إلى ديارهم أو إعادة توطينهم، فإنهم يحتاجون إلى الحماية في البلدان التي يقيمون فيها. من خلال العمل الوثيق مع اللاجئين أنفسهم، وكذلك مع السلطات والشركاء، تراقب المفوضية باستمرار الأوضاع المحلية وأي مخاطر ناشئة. كما تشجع وتساعد الحكومات على سن قوانين وسياسات وطنية تحافظ على سلامة اللاجئين، وتزودهم بالوثائق، وتتيح لهم فرصة كسب رزقهم والاستفادة من الخدمات الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية. يحصل بعض اللاجئين في نهاية المطاف على حق البقاء في بلدهم المضيف نهائياً، مما يمكّنهم من المساهمة بشكل أكبر في البلدان التي توفر لهم الحماية.
يقول إيبا: "الحماية تعني العيش بكرامة، والاستفادة من إمكانات الأشخاص. الأمر يتعلق بالحصول على التعليم، والقدرة على العمل وإعالة الأسرة. وهذه أمور أساسية للغاية لضمان أن يتمكن اللاجئون من عيش حياة كاملة وكريمة".
ماذا سيحدث إذا لم نتمكن من توفير الحماية للأشخاص المجبرين على الفرار؟
عندما يعجز المجبرون على الفرار عن الوصول إلى بر الأمان، أو التسجيل والاعتراف القانوني، أو الحصول على المساعدة والدعم الأساسيين، فإنهم يصبحون معرضين لخطر العنف والجوع والاستغلال، بل وحتى الموت.
إن الخفض الحالي في التمويل، والذي يطال القطاع الإنساني بأكمله، بدأ يُحدث آثاراً سلبية جداً على حماية الأشخاص المجبرين على الفرار. وقد اضطرت المفوضية إلى تعليق التسجيل البيومتري لطالبي اللجوء الجدد في عدة دول - وهي خطوة حيوية لضمان حصولهم على الحقوق والخدمات - وتوزيع مساعدات الطوارئ في دول أخرى. كما خُفِّضت خدمات الدعم المُقدمة للناجين من الانتهاكات الجنسية، والنساء والأطفال من الفئات الأكثر ضعفاً، وتوقفت العديد من برامج الحد من العنف ضد المرأة. ولم يعد آلاف الأطفال اللاجئين يتلقون المساعدة للالتحاق بالمدارس، فيما أصبحت أماكن إعادة التوطين محدودة، ويقل الدعم المُتاح للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم عندما تكون الظروف آمنة لذلك.
يقول إيبا: "الحماية تُنقذ الأرواح. إنها تضمن الأمان للأشخاص، وتضمن لهم العيش بكرامة". ويضيف: "لكن للقيام بهذا العمل الهام في مجال الحماية، تحتاج المفوضية إلى الدعم المستمر من المجتمع الدولي بأسره... وهذا هو جوهر التضامن العالمي".