شاب سوري يبعث الأمل في محيطه بعد رحلة طويلة من النزوح المتكرر
شاب سوري يبعث الأمل في محيطه بعد رحلة طويلة من النزوح المتكرر

دمشق، سوريا، 18 ديسمبر/كانون الأول 2015 (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين) - منذ بداية النزاع الحالي في سوريا، اضطر للنزوح لأكثر من ثماني مرات متتالية على مدى السنوات الخمس الماضية.
علاء هو شاب ملؤه الحماس من مدينة الحجر الأسود والتي تبعد حوالي سبعة كيلومترات عن العاصمة دمشق. اندلعت الاشتباكات في هذه المدينة منذ بداية الأحداث في سوريا، واضطرعلاء في ذلك الوقت لمغادرة المنزل مع عائلته إلى مخيم اليرموك عند الحدود المتاخمة لمدينة دمشق. لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً، فبعد أقل من شهر، وجد نفسه مجبراً على مغادرة المخيم والانتقال إلى منطقة الهامة، عند مدخل الغوطة الغربية لمدينة دمشق. امتدت الاشتباكات إلى هذه الأخيرة لتدفع بعلاء وعائلته إلى الفرار مرة أخرى، وهذه المرة إلى مدينة الغوطة في ريف دمشق.
مشهد النزوح المتكرر هذا يغلب على الكثير من الأشخاص والأسر في مناطق متعددة من العالم والتي تعصف بها الصراعات كما هو الحال في سوريا، إلى أن ينتهي ببعضهم المطاف لعبور الحدود إلى البلدان المجاورة بحثاً عن الأمان.
رحلة علاء لم تنته في الغوطة، فقد انتقل مع أسرته للإقامة في أحد الفنادق في وسط العاصمة دمشق ليجدوا صعوبة في تدبير نفقات الإقامة في الفندق، ليقرروا التوجه إلى مدينة درعا في جنوب سوريا، وفي وقت لاحق لا يتجاوز الخمسة أشهر، تابعت أسرة علاء مشوار نزوحها لتحط الرحال في محافظة القنيطرة.
لكن الوجهة الأخيرة لهذه العائلة كانت منزلاً صغيراً في الدُخانية، وهي ناحية صغيرة تقع في شرق العاصمة دمشق بين مدينة عين ترما التي تسطير عليها قوات المعارضة ومدينة جرمانا التي تقع ضمن إطار سيطرة الحكومة السورية.
حاله كحال كل النازحين داخل البلاد، لم يكن علاء ليعرف أين ستنتهي رحلة النزوح به وبعائلته. وبين ليلة وضحاها، من شهر أيلول 2014، اندلع قتال عنيف في منطقة الدخانية، ما أجبر سكانها على مغادرة منازلهم خلال ساعات معدودات بحثاً عن الأمان. بعضهم وجد مأوى عند الأقارب، فيما اضطر آخرون إلى المبيت في الحدائق وعلى الأرصفة، في حين أن عائلة علاء وجدت مأوى لها لدى أحد مراكز الإيواء المؤقتة مع بعض العائلات الأخرى.
يقول علاء: "اضطررنا للفرار من الدخانية ولم يكن في جعبتنا سوى بعض الملابس التي وضعناها في حقيبة".
علاوة عليه، فإن الحزن لفقدان ربّ الأسرة خلال هذه الحرب هو تحدٍ آخر بالنسبة لعلاء وعائلته، حيث يقول: "افتقد والدي كل يوم وأتمنى أن يعود ويعيش معنا. فقدناه منذ قرابة السنتين وحتى الآن لا نعرف أين هو، وفي كل يوم نتسائل هل تراه لا يزال على قيد الحياة".
يحاول علاء أن يرعى إخوته ويساعد والدته في شؤون الحياة اليومية. وعلى الرغم من أنه يحاول أن يتكيف مع الظروف الصعبة التي ألمت بعائلته، إلا أن النزوح يجعله يشعر بحزن شديد، ويقول بينما يكفكف دموعه: "عندما تغدو نازحاً فإن هناك شعوراً مختلفا لا يمكن لأناس آخرين أن يشعروا به أو يختبروه، إنه ذلك الشعور بأنك بلا منزل ولا حتى سقف".
تسبب الصراع في فقدان علاء والملايين من الأطفال في سوريا لتعليمهم ومدارسهم. فعلى مدى ثلاث سنوات متتالية منذ بداية الأزمة، انقطع علاء عن المدرسة تماماً ولم يكن من الممكن له أن يتابع دراسته. ولكن خلال هذا العام تمكن وزملاؤه الثلاثة أحمد، 18 عاماً، ومهند، 14، وكريم، 15 والذين يقطنون في ذات المركز من التقدم لامتحانات شهادة التعليم الأساسي وحصلوا جميعهم على درجات نجاح جيدة.
أصرّ علاء وزملاؤه على متابعة دراستهم رغم كل المشقّات التي يواجهونها يومياً، ويقول: "ينبغي لنا أن نمشي مسافة سبعة كيلومترات سيراً على الأقدام تحت أشعة الشمس الحارقة وفي البرد القارس حتى نصل إلى المدرسة، وفي بعض الأحيان، اضطررنا لمتابعة السير في قلب الاشتباكات التي كانت تندلع على الطريق من وقت إلى آخر لكي نتمكن من التقدم للامتحانات النهائية."
إنه بعض مما يشعر به ويختبره النازحون في الجو المحيط بهم في بلد يعاني من القتال المستمر والمتنقل من منطقة لأخرى. وفي مواجهة الخوف والكرب وضغوطات الحياة اليومية، أراد علاء وأصدقاؤه الثلاثة أن يحسنوا معاً ظروف عيشهم في مركز الإيواء وأن يصنعوا تغييراً في مجتمعهم الجديد حتى وإن كان طفيفاً.
يقول علاء: "نحاول أن نقوم بكل ما يجعلنا نشعر بالسعادة والرضا، فنحن هنا نحاول مساعدة الناس من حولنا من المقمين قي المركز سواء كانوا لاجئين أو نازحين، وأحياناً أخرى نساعد إدارة المركز في توزيع المساعدات للمهجرين المقيمين هنا".
ويتابع وهو يروي بعضاً من تجاربه مع أصدقائه: "في أحد الأيام، قررنا أنا وزملائي أن ندهن غرف المركز، وطلبنا الدعم من إحدى الجمعيات لتوفير ثمن الدهان وقد لبت طلبنا بالفعل وطلينا جميع الغرف في المركز، ونقوم أحيانا بتنظيف حديقة المبنى، فنحن نريد للمكان الذي نعيش فيه أن يبدو بأجمل صورة ممكنة".
يتقاسم هؤلاء الشبان كل شيء بما في ذلك أوقات الحزن والمرح، وأرادوا أن يجدوا وسيلة تمكنهم من اللعب سوياً في أوقات فراغهم، فجمعوا مبلغاً من المال كسبوه من خلال أعمال يومية في الأحياء المجاورة واشتروا به كرة قدم. يقول علاء: "يمكننا الآن أن نلعب في ساحة المبنى مع الأطفال الآخرين من النازحين واللاجئين".
أحلام علاء وأصدقائه في هذا المركز لا تتوقف، فهم الآن يجمعون مبلغاً آخر من المال لمشروع آخر:"نريد أن نشتري دراجة يمكن لها أن تسهل علينا الأعمال اليومية، حيث أننا نقطع مسافات طويلة لجلب بعض المستلزمات اليومية للمقيمين في المركز من السوق المجاورة".
بقلم فيفيان طعمة، دمشق