عائلة سورية تجد ملاذاً آمناً على شواطئ كندا
عائلة سورية تجد ملاذاً آمناً على شواطئ كندا

في فجر كل يوم، يذهب أحمد عياش إلى العمل ويمر بجانب المنازل المصطفة إلى يساره والميناء الهادئ إلى يمينه. يعبق الهواء بالسلام، فهنا في مدينة ونينبورغ الكندية، لا قنابل ولا رصاص.
وفقاً لما يتذكره أحمد، تقيم عائلة عيّاش منذ أيام جد جده وتعمل في درعا، سوريا. ولكن بعد أشهر على افتتاحه مكتب هندسة في المدينة، تعرض فجأةً استقرار حياته للدمار مع زوجته فاطمة وأطفالهما. فالطلقات النارية المتقطعة التي أشارت إلى بدء الصراع الذي طال أمده في سوريا وتسبب في تهجير أكثر من 11 مليون شخص، كانت توقظ الأطفال الخمسة في الليل.
اتخذت الأسرة قرار الفرار من درعا في أسرع وقت ممكن، لتعبر الحدود إلى الأردن، تاركة وراءها كل ما لم تتمكن من توضيبه، إضافة إلى الأصدقاء والانتماء.
يقول أحمد: "إن اتخاذ قرار المغادرة أمر صعب، لكن لا خيار آخر أمامك".
"إن اتخاذ قرار المغادرة أمر صعب".
في 28 فبراير 2016، تم إعادة توطين عائلة عياش في ونينبورغ، نوفا سكوشا – وهم أول اللاجئين الذين تم الترحيب بهم في هذا المجتمع الصغير المؤلف من 2,500 نسمة. إنها مدينة يعيش سكانها من صيد الأسماك منذ أجيال، وقد تكبدت خسائرها أيضاً وهو أمر يجهله أحمد.
أمام سفن صيد المحار وقوارب الصيد الراسية، ارتفعت أعمدة من الغرانيت الأسود على شكل بوصلة – إنه نصب تذكاري لمئات الصيادين الذين لم يعودوا أبداً إلى الشاطئ.
ويقول دافيد فراندلي، وهو أحد سكان ونينبورغ ورئيس لجنة الكفالة الخاصة لعائلة عياش: "يتعلّم الأشخاص هنا العيش مع الموت في وقت مبكر".
ولكن على الرغم من التاريخ المأساوي للمدينة، أصبحت شواطئها الصخرية حالياً منارةً للاجئين الفارين من الحرب والاضطهاد في أوروبا.
بدأ الأمر عندما رأى الأب مايكل ميتشل، رئيس شمامسة الكنيسة الأنغليكانية في المدينة، صوراً عن النزوح والموت في سوريا وتحدث عن هذا الموضوع أمام رعيته. اهتم المجتمع بذلك، وشكل تحالفاً من الكنائس والمجموعات المجتمعية من أجل كفالة إحدى العائلات.
عندما وصلت عائلة عياش أخيراً، ربطت علاقة صداقة دافيد بأحمد على الفور ويتذكر دافيد بأنه شعر بأنه مقرب منه سريعاً.
يقول دافيد: "لا أعلم ما كان ذلك، ولا أستطيع تحديده، ولكنني شعرت بهذا التواصل".

ساعد دافيد أحمد في إيجاد وظيفة بعد وقت قصير من وصول العائلة. كانا يدركان أن كندا لن تعترف بخبرة أحمد في الهندسة التي تمتد على مدى أكثر من 20 عاماً، الأمر الذي يحد من فرصه في إيجاد وظيفة. ولكن، قدّمت شركة محلية لتصنيع مواد الطيران العمل لأحمد.
يقول أحمد: "العمل أمر مهم بالنسبة لي. يتعين عليك إيجاد عمل لضمان حياة جيدة لأطفالك".
"يتعين عليك إيجاد عمل لضمان حياة جيدة لأطفالك".
يسمح المدخول للعائلة بالاعتماد على نفسها – وهذا نصر كبير نظراً للصعوبات التي يواجهها العديد من اللاجئين في إيجاد وظيفة على المدى الطويل.
أما بالنسبة إلى دافيد، الذي ليس لديه أي أحفاد، فتحمل هذه الصداقة معنىً خاصاً. يقول: "قد أبدو أنانياً، ولكنني أحب عندما يعتبرني الأطفال جدهم".
لم تكن جميع الأمور سهلة – فهناك صعوبات مرتبطة بالانتقال إلى مدينة صغيرة. يقع أقرب مصدر للحم الحلال في هاليفاكس، على بعد 100 كيلومتر، ويأتي مجلداً. لكن مع غياب القيود الدينية على السمك، وجد دافيد صياد سمك يبيع سمك الحدوق كاملاً للعائلة. وتحضّر فاطمة حالياً سمك الحدوق محشواً بالخضار والتوابل – وهو طبق بحري في الشرق الأوسط.
سكان ونينبورغ ليسوا وحدهم من يبذلون الجهود الدؤوبة لمساعدة الذين أجبروا على الفرار من الوطن. وبين نوفمبر 2015 وفبراير 2016، أعيد توطين أكثر من 25,000 لاجئ سوري في كندا.
يعترف أحمد الذي يعيش على بعد أكثر من 8,000 كيلومتر عن بلاده، بأنه وفاطمة يشعران بالوحدة في بعض الأوقات.
يقول: "في بعض الأحيان، عندما تكون جالساً في المنزل، تعيدك ذكرياتك إلى الماضي، وتفكر في أصدقائك وأرضك ووطنك. ولكن تخرج بعد ذلك وترى الناس وتتكلم معهم وتدرك أنك لست وحيداً".