إغلاق sites icon close
Search form

البحث عن موقع البلد

نبذة عن البلد

موقع البلد على الإنترنت

سكان مدينة تعز يتطلعون لإعادة بناء حياتهم بعزيمةٍ لم تثنها سنوات الصراع في اليمن

قصص

سكان مدينة تعز يتطلعون لإعادة بناء حياتهم بعزيمةٍ لم تثنها سنوات الصراع في اليمن

بعد نحو سبع سنوات من اضطرارها للفرار من منزلها، تعود زميلتنا سوسن إلى مدينتها تعز لتعرض على المانحين ثمار دعمهم، وتبيّن لهم أن السكان قادرون على تحمل مسؤولية مستقبلهم إنْ تلقوا الدعم المناسب.
3 يونيو 2025 متوفر أيضاً باللغات:
زميلتنا سوسن الأشول (يسار) تقف بجانب إنجيلا أندرسون، من طاقم الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي (يمين)، في مدينة تعز، مسقط رأس سوسن في اليمن.

زميلتنا سوسن الأشول (يسار) تقف بجانب إنجيلا أندرسون، من طاقم الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي (يمين)، في مدينة تعز، مسقط رأس سوسن في اليمن. 

تقع مدينة تعز التاريخية المسوّرة على ارتفاع 1,400 متر، عند المنطقة التي تبدأ فيها المرتفعات انحدارها الحاد نحو الساحل الجنوبي الغربي لليمن. وتشتهر المدينة التاريخية المسورة والمعروفة بمناظرها الخلابة وهندستها المعمارية المُنمقة. وبالنسبة لزمليتنا سوسن الأشول، والتي وُلدت ونشأت وسط عائلتها وأصدقائها في ثالث أكبر مدينة في اليمن، لطالما كانت تعز بكل بساطة موطنها مهما كانت المسافة التي تفصلها عنها. 

لكن الصراع القائم في اليمن الذي نشب في عام 2015غيّر المدينة وحياة سكانها. فقد أضحت أحياؤها جبهاتٍ للاقتتال ما بين الأطراف المتنازعة من أجل السيطرة عليها، لتتعرض بينتها التحتية للدمار، وتشح إمدادات الغذاء والماء فيها، بينما اتخذ القناصة مواقعهم في مبانيها القديمة، وحلت أصوات إطلاق النيران المتبادل مكان إيقاعات الحياة اليومية المألوفة لسكانها.

على مدى السنوات الثلاث الأولى، بقيت سوسن في المدينة – حتى مع تدهور الأوضاع – حيث عملت مسؤولةً لحماية الأطفال لدى المجلس الدنماركي للاجئين، ووثقت الانتهاكات الجسيمة التي طالتهم هناك. وكانت تضطر لإخفاء الشهادات المكتوبة أثناء عبورها نقاط التفتيش المنتشرة عشوائياً، ولتلافي نيران القناصين، والسير لساعاتٍ طويلة للتحدث مع العائلات التي طالتها تبعات الحرب.

وقالت سوسن: "كنت أبكي باستمرار لما شهدته من مآسٍ على مدى سنوات". في عام 2018، ونظراً لاشتداد حدة القتال ووصول الأوضاع في المدينة المحاصرة إلى الحضيض، اتخذت سوسن قراراً مؤلماً بالفرار من منزلها. وأضافت: "لم أعد قادرة على تحمل ظروف الحياة في تعز وسط النزوح والحرب والانقسامات السياسية – لقد وصلت إلى نقطة الانهيار".

يشكّل هذا المبنى الجاثم فوق جرفٍ صخري جزءاً من سحر المناظر الطبيعية في تعز.

يشكّل هذا المبنى الجاثم فوق جرفٍ صخري جزءاً من سحر المناظر الطبيعية في تعز. 

بعد أكثر من عقد من الصراع وانعدام الاستقرار، بقي ما يقدر بـ 4.8 مليون شخص نازحين في كافة أنحاء اليمن، والكثيرون منهم ما زالوا على هذه الحال منذ سنوات. ويحتاج 19.5 مليون شخص آخر إلى المساعدات الإنسانية في بلدٍ يبلغ عدد سكانه نحو 40 مليون نسمة. كانت مدينة تعز من بين أكثر المناطق تضرراً، مما ترك الكثيرين من سكانها يعانون الأمرّين من حيث الوصول إلى المرافق وخدمات الرعاية الصحية والتعليم والوثائق.

وبعد انتقالها إلى مدينة عدن الساحلية الجنوبية في أواخر عام 2018، بدأت سوسن العمل مع المفوضية بصفتها مسؤولة حماية مجتمعية. لكن في شهر أبريل الماضي، عادت سوسن إلى تعز للمرة الأولى منذ نحو سبع سنوات، وذلك في إطار زيارة مشتركة مع الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي.

وقالت سوسن: "لم يكن بمقدوري وصف مشاعري المختلطة عندما سمعت الخبر.. أنا أعرف الطريق من عدن إلى تعز عن ظهر قلب. كانت تلك الجبال الشاهقة شديدة الانحدار جزءاً من ذكرى ضبابية منغرسةٍ في ذهني، لكن لم يكن هناك ما يبدو مألوفاً. لربما أردت أن أنسى".

ومع دخول القافلة الإنسانية إلى المدينة، بدأت دقات قلبها تتسارع. ورغم أنّ المعالم المألوفة كانت منتشرة في كل مكان من حولها – كالجامعة التي درست فيها، ومستشفى علاج مرضى السرطان حيث كانت تدعم الفرق الطبية ذات يوم – إلا أنها كانت وسط مشاهدٍ مؤلمة. ففي أحد الأحياء التي عزلها القتال لفترة طويلة، رأت سوسن المنازل وقد تحولت إلى أنقاض، واستقرت في ذهنها صورة أرجوحة أطفالٍ مكسورة يعلوها الصدأ في وسط الشارع.

واستطردت سوسن، قائلة: "رغم ذلك، كان السكان يعودون. وهذا ما أشعرني بالأسى". والتقى الوفد بالأسر التي ساعدتها منظمتنا وشركاؤها بدعم من الوكالة السويدية للتنمية الدولية، بما في ذلك الأشخاص العائدون من مناطق أخرى من المدينة ومختلف أنحاء اليمن.

ومن خلال برنامج إعادة تأهيل المساكن الذي تنفذه المفوضية بالشراكة مع منظمة "صناع النهضة" اليمنية غير الحكومية، تلقى نحو 1,700 أسرة في تعز مساعداتٍ نقدية في عام 2024 لترميم منازلهم المتضررة – ليس فقط لتوفير مأوىً آمنٍ لهم، بل لحفظ كرامتهم، ومنحهم فرصة لبدء حياتهم من جديد.

نائب ممثل المفوضية في اليمن، مارات أتامورادوف (في الوسط)، بجانب إنجيلا أندرسون، من الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي (يمين) يتحدثان إلى أحد السكان العائدين الذين جرى ترميم منازلهم بدعم من المفوضية.

نائب ممثل المفوضية في اليمن، مارات أتامورادوف (في الوسط)، بجانب إنجيلا أندرسون، من الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي (يمين) يتحدثان إلى أحد السكان العائدين الذين جرى ترميم منازلهم بدعم من المفوضية.

وقال أحد العائدين الذين قابلتهم سوسن: "لقد فتحتم لنا باب العودة. ومن خلال ما قدمتموه لنا من دعم، وفرتم الحد الأدنى لتمكيننا من الرجوع. وقد وجدنا طريقة لتدبر كل ما لم تستطع المنظمة تقديمه. لكن، لولا تلك الخطوة الأولى، لما استطعنا العودة إلى ديارنا".

تفوق احتياجات السكان الموارد المتاحة بكثير. ويؤدي نقص التمويل إلى إجبار العديد من المنظمات الإنسانية على تقليص مساعداتها، مما يحرم الأسر من الدعم الضروري الذي تحتاجه للعودة إلى ديارها.

لا ينعكس دعم السويد للمجتمعات النازحة – ولعمل المفوضية – فقط من خلال ما تمنحه من تمويلٍ مرن وفي الوقت المناسب، بل أيضاً في انخراطها المباشر بالعمل على الأرض. وفي وقت تتضاءل فيه الموارد الإنسانية، وتتنامى فيه الاحتياجات، فإن حضور السويد، كما كان الحال في أثناء الزيارة الأخيرة إلى تعز، يساعد على جذب الانتباه إلى الأزمة، والدور الحيوي للشراكات الدولية والتضامن الدولي في التصدي لها.

وخلال الزيارة، عرّفت سوسن المسؤولة السويدية على بعض أفراد المجتمعات التي تعمل على إيجاد سبيل للمضي قدماً، وشاطرتها قناعتها بأن أفضل الحلول تأتي من السكان أنفسهم. وقالت: "يدرك السكان هنا ما يحتاجون إليه تماماً، وما علينا سوى أن نوفر الدعم لهم".

زار الوفد مكتباً للتسجيل المدني تضاعفت قدرته الاستيعابية بفضل نظام الطاقة الشمسية الذي نجحت المفوضية في تركيبه من خلال منظمة "صناع النهضة"، مما يعني أن المزيد من الأسر أصبحت قادرةً على الحصول على وثائق الهوية، والوصول إلى الخدمات الأساسية. كما التقى الوفد بعائلاتٍ تعمل على تنسيق أعمال ترميم منازلها، وأيضاً بياسمين – وهي متطوعة في شبكة الحماية المجتمعية التابعة للمفوضية – وتتولى إدارة حصصٍ دراسية غير رسمية للأطفال وسط أنقاض مبنىً كان مدرسة في السابق، وهو الآن عبارة عن هيكل خارجي دون أبواب أو نوافذ أو تجهيزات.

وقالت سوسن: "لم تكن (ياسمين) تريد التوقف عن العمل لتتحدث.. لكنها أخبرت السيدة أندرسون بكل شيء – أي كافة المتطلبات والنواقص".

فتيات يحضرن دروساً في مدرسة غير رسمية في موقع المحرق للنازحين داخلياً في تعز.

فتيات يحضرن دروساً في مدرسة غير رسمية في موقع المحرق للنازحين داخلياً في تعز.

قبل مغادرتها لتعز، زارت سوسن منزل عائلتها القديم، والتقت بأستاذها الجامعي السابق. ورأت مدينة ما زالت صامدةً في وجه الخراب، ومتضررةً دون انكسار.

وقالت: "رسالتي لأهالي تعز هي: نحن فخورون بكم.. ما زلتم ترزحون تحت وطأة الحصار وشح الخدمات، لكنكم ما زلتم أحياءً، تعلمون أطفالكم، وتعيدون البناء بأنفسكم. ونحن نرى ما تنجزونه". وأضافت أن كل ما يحتاجون إليه ما هو سوى "القليل من الدعم، وسيتولون ما تبقى بأنفسهم".

وقال مارات أتامورادوف، نائب ممثل المفوضية في اليمن: "يجسد الزملاء مثل سوسن المعنى الحقيقي للحماية.. فهي تحمل معها المعرفة والألم وثقة السكان – وتحوّلها كلها إلى عمل ملموس. هكذا ننتقل من مجرد الإصغاء إلى إحداث أثرٍ حقيقي".